يقول الباقلاني: إن ما ذُكِرَ في الحروف المقطعة في أوائل السور التي ذُكرت فيها بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، مع أنه من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، ولهذا كل سورة افتُتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه، وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء وهو الواقع. فإنك إذا ما نظرتَ في هذه الحروف المقطعة تجد بعدها ما يتعلق بالقرآن الكريم: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة: ١، ٢) ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ (القلم: ١) ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ (ق: ١)، ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ (ص: ١) فما جاء بعد هذه الأحرف المقطعة يتعلق بالانتصار للقرآن وبيان إعجازه.
ومن ذلك أيضًا أن هذه الحروف المذكورة في أوائل السور هي نصف الحروف الهجائية التي تتركب منها الكلمات، وهذا الوجه يتضح مما اهتم العلماء ببيانه، فإن الحروف التي بُنِيَ عليها كلام العرب ثمانية وعشرون حرفًا، وعدد السور التي افتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون سورةً، وجملة ما ذكر من هذه الحروف في أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة، وهي أربعة عشر حرفًا، ويدل بالمذكور على غيره، وليعرفوا أن هذا الكلام منتظم من الحروف التي ينظمون بها كلامَهم.
شيء جميل أن تتأمل ذلك، في أن هذه الحروف المقطعة لم تتجاوز أربعة عشرة حرفًا اهتم العلماء بجمعها، فجمعها بعضهم في قوله: "صنه سُحيرًا مَن قطعك". وجمعها بعضهم في قولهم: "نص حكيم قاطع له سِر". كأن هذه الأحرف المقطعة تحتوي أسرارًا من علم الله -سبحانه وتعالى- لذا نجد عادةً المفسرين لا يقفون على معنًى صريحٍ واضحٍ في دلالات هذه الفواتح، وإنما يتركون أو يفوِّضون علمها إلى المولى -سبحانه وتعالى- في كثير من المواقع، فهي مظهرٌ من مظاهر الإعجاز.