بدأ بعد ذلك العلماء يفسرون هذا التقسيم أن هذه الحروف مكونة من مخارج حروف العرب، وما أخذت من الحروف إلا أعلاها وإلا أذكاها، فأخذت من المجهور، وأخذت من المهموس، وأخذت من حروف الحَلْق، وأخذت من حروف الرخاوة والشدة، إلى غير ذلك، وفصلوا ذلك في تصنيفهم بأن هذه الحروف أُخذت من أنواع المخارج.
من اللطائف في فوائد هذا التقسيم ما ذكره الباقلاني أيضًا من قوله: إذا كان القوم الذين قسموا في الحروف هذه الأقسام لأغراض لهم في ترتيب العربية، وتنزيلها بعد الزمان الطويل من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- رأوا مباني اللسان على هذه الجهة، وقد نبه بما ذكر في أوائل السور على ما لم يذكر على حد التنصيف الذي بيناه. أي: أن الله -سبحانه وتعالى- يشير بما ذكر لِمَا لَمْ يذكر من هذه الحروف التي يتكون منها كلام العرب.
والثانية أنهم لما تنبهوا على ما بُنِيَ عليه اللسان في أصله، ولم يكن لهم في التقسيم شيء، وإنما التأثير لِمَن وضعَ أصلَ اللسان، فلذلك أيضًا من البديع الذي يدل على أصل وضعه وقع موقعَ الحكمة التي يقتصر عنها اللسان، وكذلك أن هذه الحروف يمكن أن تُعاد فاتحةَ كلِّ سورة لفائدة تخصها في النظم إذا كانت حروفًا، كنحو: ﴿الم﴾ كأن الألف المبدوء بها هي أقصاها مطلعًا، واللام متوسطة، والميم متطرفة؛ لأنها تؤخذ في الشفه، فنبه بذكرها على غيرها من الحروف، وبين أنه أتاهم بكلام منظوم مما يتعارفون من الحروف التي تتردد بين هذين الطرفين.
فذلك اهتمام العلماء ببيان أثر هذه الحروف كوجه من وجوه الإعجاز، وهذا ما صرح به شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا من قوله: أما حرف مجرد فلا يوجد لا في