وأما خامسها: فهو أن نظم القرآن وقع موقعًا في البلاغة يخرج عن عادة كلام الجن، كما يخرج عن عادة كلام الإنس، فهو متحد به للصنفين: الإنس والجن.
وأما سادسها: فهو أن الذي ينقسم عليه الخطاب من البَسْط والاقتصار والجمع والتفريق والاستعارة والتصريح والتجوز والتحقيق، ونحو ذلك من الوجوه التي توجد في كلامهم، موجودة في القرآن، وكل ذلك مما يتجاوز حدود كلامهم المعتاد بينهم.
وأما سابعها: فهو أن المعاني التي تضمنها القرآن في أصل وضع الشريعة والأحكام، والاحتجاجات في أصل الدين، والرد على الملحدين على تلك الألفاظ البديعة، وموافقة بعضها بعضًا في اللطف والبراعة، مما يتعذر على البشر ويُمتنع.
وأما ثامنها: فهو أن الكلام يتبين فضله ورجحان فصاحته بأن تُذكر منه الكلمة في تضاعيف كلام أو تقذف ما بين شعر، فتأخذها الأسماع، وتتشوف إليها النفوس، ويُرى وجه رونقها باديًا غامرًا سائرًا ما تقرن به، كالدرة التي تُرَى في سلك من خرز، وكالياقوتة في واسطة العقد.
وأما تاسعها: فهو أن الحروف التي بُني عليها كلام العرب ثمانية وعشرون حرفًا، وعدد الصور التي افتُتح بها ذكر الحروف ثمانية وعشرون سورةً. هذه المسألة التي تحدثنا عنها - في الدرس السابق- حول فواتح السور ومقاطع الحروف.
والنقطة العاشرة التي ختم بها هي أن القرآن سهل سبيله، فهو خارج عن الوحشي المستكره، والغريب المستنكر، وعن الصنعة المتكلفة، وهو قريب إلى الأفهام، يبادر معناه لفظه إلى القلب، ويسابق المغزى منه عبارته إلى النفس.
هذه الوجوه التي تكلم عنها الباقلاني في بيان إعجاز القرآن في نظمه بصفة عامة.
واهتم الباقلاني كذلك في كتابه ببيان الشواهد التي تؤكد هذا الكلام، وبأن نظم القرآن خارج عن طاقة البشر، وعن أن أحدًا يستطيع أن ينظم على هذا المِنوال، وأسهب -رحمه الله- في تأمل آيات القرآن سورةً سورةً، وآيةً آيةً، على أن


الصفحة التالية
Icon