مَن يتأمل ذلك سيجد بَوْنًا شاسعًا وفرقًا كبيرًا بين نَظْم القرآن وبين غيره من الكلام.
واستشهد -رحمه الله- بآيات عديدة كقوله تعالى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ (الأنعام: ٩٦) فيقول: انظر إلى هذه الكلمات الأربع التي ألف بينها واحتجَّ بها على ظهور قدرته ونفاذ أمره، أليس كل كلمة منها في نفسها غُرة وبمنفردها دُرة؟!!
واعتمد الباقلاني على أسلوب التشويق في العرض حتى أنه تعرَّض إلى بعض الصور والارتباط بين أجزائها ونظمها، وبين العبارات التي ذكرت في القرآن، ويعتمد دائمًا على عنصر الإثارة والتشويق، كقوله: متى تهيأ للآدمي أن يقول في وصف كتاب سليمان -عليه السلام- بعد ذكر العنوان والتسمية: ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ (النمل: ٣٠) هذه الكلمة الشريفة العالية: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ (النمل: ٣١).
وأسهب بعد ذلك في بيان الكلام، وكقوله: ما رأيك في تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾؟ (القصص: ٤) وعرَضَ عرضًا جميلًا لسورة غافر، وما فيها من جمال وعَرْضٍ يأخذ بالقلوب والأسماع، ويجعل المرءَ يستشعر عظمة هذا الكلام المنزل من المولى -سبحانه وتعالى- فيقول: تأمل من الكلام المؤتلف قوله: ﴿حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ (غافر: ١ - ٣) فيقول: أنت قد تدربت الآن بحفظ أسماء الله تعالى وصفاته، فانظر متى وجدتَ في كلام


الصفحة التالية
Icon