مزايا النظم وفساده
وننتقل الآن إلى نقطة في غاية الأهمية تتعلق بمزايا النظم وفساده.
ابتداءً ينص عبد القاهر الجرجاني -رحمه الله- على أن مزايا النظم ترجع إلى اختيار المعاني، يقول عبد القاهر الجرجاني: فَصْلٌ: في أن هذه المزايا في النظم بحسب المعاني والأغراض التي تؤم. يعني: أن عبد القاهر نص نصًّا صريحًا أن فساد النظم أو القول بحسنه وارتقائه مرتبطٌ بالمعاني التي تؤم، والأغراض التي بعبر عنها. هذا ابتداء.
وقام عبد القاهر -رحمه الله- بسرد شواهد على فساد النظم، وبذكر أشياء يعرَف بها مزايا النظم، فذلك يدفعنا إلى أن نتساءل أولًا قبل الحديث على المزايا والفساد: هل القضية في النظم هي قضية النحو؟ بمعنى: هل النظم هو معرفة قواعد اللغة العربية؟ سؤال آخر: هل يتطلب النظم معرفة سابقة بقواعد النحو؟
الواقع أن عبد القاهر الجرجاني لا يقصد بكلامه هذا أن النظم هو أن تكون عالمًا أو عارفًا باللغة العربية، فذلك ما وضَّحه عبد القاهر بأنه شُبهة، وأراد أن يرد عليها وأن يبينها في كتابه، ونص عليها نصًّا صريحًا، فيقول في (دلائل الإعجاز): واعلم أنَّا لم نوجب المزية من أجل العلم بأنفس الفروق والوجوه، فنستند إلى اللغة، ولكن أوجبناها للعلم بمواضعها، وما ينبغي أن يُصنَع فيها، فليس الفضل للعلم بأن الواو للجمع، والفاء للتعقيب بغير تراخٍ، وثم له بشرط التراخي، وإن لكذا، وإذا لكذا، ولكن لأن يتأتَّى لك إذا نظمت شعرًا وألفت رسالةً، أن تحسن التخير، وأن تعرف لكل من ذلك موضعًا.
ويقول أيضًا: وأمر آخر إذا تأمله الإنسان أنف من حكاية هذا القول، فضلًا عن اعتقاده -يعني: فضلًا عن أن يعتقد أن قضية النظم هي معرفة النحو-


الصفحة التالية
Icon