يقول: هو أن المزية لو كانت تجب من أجل اللغة والعلم بأوضاعها وما أراده الواضع فيها، لكان ينبغي ألا تجب إلا بمثل الفرق بين الفاء وثم وإن وإذا، وما أشبه ذلك، مما يعبر عنه وضع لغوي، فكانت لا تجب في الفصل، وتَرْك العطف، وبالحذف، والتكرار، والتقديم والتأخير، وسائر ما هو هيئة يحدِثها لك التأليف، ويقتضيها الغرض الذي تؤم، والمعنى الذي تقصد، وكان ينبغي أن لا تجد المزية بما يبتدئ الشاعر والخطيب في كلامه من استعارة اللفظ بالشيء لم يُستَعَرْ له، وأن لا تكون الفضيلة إلا في استعارة قد تُعارِفت في كلام العرب، وكفَى بذلك جهلًا.
فهذا نص صريح من الجرجاني على أنه لا يقصد بكلامه أن تكون عارفًا فقط بقواعد اللغة العربية، وبالفروق التي نص عليها علماء النحو، ولكن القضية في توظيف هذه الأشياء في كلامك.
وأما السؤال الآخر: وهو هل يتطلب النظم معرفة سابقة بقواعد النحو؟
هذا أيضًا يُجاب عنه ببساطة: بأن شعراء الجاهلية -مثلًا- صاغوا شعرهم ولم يكن عندهم المصطلحات النحوية التي ذكرها علماء اللغة وعلماء النحو، وهذا مثال جليل واضح من فعل الأعرابي عندما سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدًا رسولَ الله، بنصب لفظ "رسول" صنَعَ ماذا؟ أي: أنه بحاسة اللغوية أدرك أن النظم على هذا النحو لا يستقيم؛ لأن الكلام لم يفِد، دون أن يعرف التعليل الاصطلاحي الذي يقوله النحويون في هذا الشأن، وهو أن رسولَ بالنصب تكون عطف بيان أو بدلًا من محمد، والبيان والبدل هما المبين والمبدل منه، وذلك يعني أن المعنى لم يكتمل، فأما في حالة رفع كلمة رسول فإنها تكون خبر أنَّ، ويتم المعنى. الأعرابي لا يعرف ذلك التعليل، ولكنه علمه بحاسته. وكذلك من صاغوا


الصفحة التالية
Icon