النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (الرعد: ٥) فتجد المسند إليه يتكرر مع كل حكم، وكان من الممكن أن يرد الكلام على طريق الحذف، ولكنه قصد إلى تقرير هذه الأخبار وإذاعتها عنهم، فهم كفروا بربهم، وهم الذين وُضِعت الأغلال في أعناقهم، وهم أصحاب النار، وكأن هذه الإعادة جعلت كل جملة كأنها مستقلة بنوع من العقوبة الصارمة، وهي ضروب من العذاب يستقل بعضها عن بعض، وفي ذلك نهاية الغضب والوعيد.
كذلك قد يُذكر المسند إليه؛ تفاديًا من ذكر الضمير الذي يربط الجملة بالكلام السابق؛ لأن القصد إلى استقلالها لتصير كأنها مثلٌ، كقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ (الحج: ٦١، ٦٢) انظر إلى قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ وقوله سبحانه: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ تجد المسند إليه قد ذُكر مع أنه يمكن إقامة الضمير مقامه للغرض الذي قلناه، وهذا الأسلوب يكثر في فواصل الآيات كما يكثر في الجمل المستأنفة، سواء كان استئنافًا بلاغيًّا أم استئنافًا نحويًّا.
ومن الأغراض التي أشار إليها البلاغيون أيضًا في ذكر المسند إليه إرادة بَسْط الكلام وإطالته حتى يكون إصغاء السامع مطلوبًا للمتكلم لخطر مقامه. هذا من الأمثلة التي نبها عليها اللغويون وذكروها، واستشهدوا لها بقصة موسى -عليه السلام- مع المولى -سبحانه وتعالى- في هذا الحوار الذي دار بينهما في قوله سبحانه: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾ (طه: ١٧) فقال موسى -عليه السلام-: ﴿هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ (طه: ١٨) كان يمكنه -عليه السلام- أن يقول: عصا أو عصاي، بدون ذكر الضمير؛ لأنه مفهوم من


الصفحة التالية
Icon