وكما قلت: هذا الحذف يكثر في القصص القرآني الكريم، وكل ما ذكر من هذه الأنماط في الحذف يدرك في البلاغة فيما يسمى "إيجاز الحذف".
والآن نفرغ للكلام عن المفعول به وحذف المفعول به:
وأولًا: نقول: لماذا يفرد المفعول به بحديث دون غيره من المتعلقات؟
بيَّن الجرجاني أن حذف المفعول ينماز عن سائر المتعلقات بأنه تكثر لطائفه، وتدق أسراره، وكأن المزايا فيه أخلب، وما يظهر بسببه من الحسن والرونق أعجب؛ بذا أفرد البلاغيون بعد ذلك جريًا على ما فعله الجرجاني في (دلائل الإعجاز) أفردوا الحديث عن حذف المفعول به، وما به من أسرار بلاغية.
ثانيًا: أنهم أيضًا عندما يتحدثون عن حذف المفعول به لا بد أن يقدموا مسلمات يذكرونها أولًا، وهو أن حذف المفعول به يتعلق بالفعل المتعدي؛ لأن الفعل اللازم لا يحتاج إلى مفعول به، وكذلك أنهم يقدمون إلى بيان أن هناك من الأفعال المتعدية ما ينزل منزلة اللازم؛ فلا يحتاج أيضًا إلى مفعول به، فهذا لأنه ربما المتحدث لا يقصد أن يخبر بشيء أكثرَ من أنه يخبر بوقوع الفعل، فإذا أراد أن يخبر بوقوع الفعل اكتفى بذكره، وإذا أراد أن يذكر وقوع الفعل ومَن فعله اكتفى بذكر الفعل والفاعل.
والخلاصة: أن تعرف الفرق بين قولك: وقع ضَرْب، وبين قولك: أعطى محمد، وبين قولك: أعطى محمد الذهب، ولكل جملة من هذه الجمل معنًى محدد وغرض معين ومقام مختص بها، لا تفيد واحدة منها معنى الأخرى، ولا تصلح مكانها، فهنا إيرادة فعل المتعدي من غير مفعول يقع في الكلام على طريقين:


الصفحة التالية
Icon