من أدوات التوكيد أيضًا التي تلحق بإنَّ هي: إنما، وأنما. أي: بزيادة ما على إنَّ المؤكدة، والفرق ابتداءً بين الأسلوبين: أن دخول "ما" على إنَّ يزيل اختصاصها بالجملة الاسمية، بمعنى: أنه إذا صارت إنَّ إنما، أو صارت أنَّ أنما، لا يشترط أن تكون مؤكدةً للجملة الاسمية، فيجوز توكيدها للجملة الفعلية كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر: ٢٨). يفرد الجرجاني أيضًا حديثًا عن إنما كأداة من أدوات التوكيد في النظم القرآني، فالأصل فيها أن تأتي في الأمور التي يُدَّعى أنها من الوضوح بمكان كقوله -سبحانه وتعالى: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ﴾ (التوبة: ٩١ - ٩٣) ألا ترى أنه من الوضوح بمكان مؤاخذة هؤلاء الأغنياء القادرين على المساهمة في الجهاد، ثم يستأذنون راضين بأن يكونوا مع الخوالف؟
واقرأ أيضًا قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (الأنفال: ٢)، فواضح بَيِّنٌ أن المؤمنين ليسوا سوى هؤلاء الذين تخاف قلوبهم إذا ذَكروا الله ويزدادون إيمانًا إذا تليت عليهم آياته، ويتوكلون على ربهم؟ ولأنها تستخدم في الأمور الواضحة جاء قوله تعالى حكايةً عن اليهود: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ (البقرة: ١١). فقد ادَّعوا أن إصلاحهم أمر واضح لا يحتاج إلى دليل، ولذا احتوى الرد عليهم فُنونًا من التوكيد، إذ قال سبحانه: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ (البقرة: ١٢) فكان التوكيد بـ"أَلَا" وبـ"إنَّ" وبضمير الفصل. وكذلك حكى القرآن عنهم في موضع آخر فقال:


الصفحة التالية
Icon