وكذلك يستخدم ما وإلا لتأكيد ما يسمى بالقصر الإضافي، كقوله -سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾ (آل عمران: ١٤٤) صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فليس المراد هنا قصر محمد -صلوات الله وسلامه عليه- على الرسالة فحسب، بحيث لا يتعدَّاها إلى غيرها، بل المراد أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى الخلوص من الموت الذي استعظموا أن يلم به، لذا قال -سبحانه وتعالى: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ (آل عمران: ١٤٤). وقد تتجسم الصفة من صفات الشيء حتى تطغَى على مَن سواها، فيستخدم القرآن أسلوب النفي والاستثناء لإثبات ذلك، كما في قوله -سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ (الأنعام: ٣٢) فكأنَّ الموصوف قد خَلُصَ لها، فلم يعد متصفًا بغيرها، فيصح قصره عليها، أي: أنها تتصف باللعب واللهو، مع أنه من المعلوم أن الحياة فيها من الأحزان والأشجان والآلام ما لا ينفك عنه عبد من العباد والجميع يتعرض له، فإنما ذكر المولى -سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ هذا على سبيل بيان أنها في حقيقتها لا تعدو عن هذين اللونين اللذين يطغيان على غيرهما مما يلم بالعباد أو ينزل بهم.
ويستخدم القرآن ما وإلا لإثبات أن الحاكم واحد -سبحانه وتعالى- ونفي أن يكون هناك حاكم غيره -سبحانه وتعالى- قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ (المائدة: ٧٣). وعمومًا، فاستخدام ما وإلا للتوكيد من أقوى الأدوات التي تؤدي لمعنى قصر شيء على شيء صفة على موصوف أو موصوف على صفة، كما تقسم في البلاغة، ولذا هي من أقوى الأدوات التي تستخدم في ذلك، فيكون استخدامها كثيرًا في الأمور التي هي مجال للشك والإنكار. انظر إلى قوله تعالى: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ (الإسراء: ٤٧) ألا ترى أن الظالمين يخاطبون بذلك قومًا آمنوا وينكرون دعوى سحر الرسول؟