وقوله سبحانه: ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ (الإسراء: ٦٠) فالتخويف يبعث في النفس الشك في أنهم ينصرفون عن كفرهم، فكان ثمة مدعاة لتأكيد زيادة طغيانهم. وقوله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ (الإسراء: ٨٢) فهذا القرآن الذي هو شفاء ورحمة مجالٌ لشك النفس في أنه خَسار للظالمين، فكان المجال مجالَ تأكيد ذلك بما وإلا.
فإذا جاء أمر من الأمور المسلم بها بالنفي والإثبات، فذلك لتقدير أمر صار به في حكم المشكوك فيه. كقوله سبحانه: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾ (فاطر: ٢٢، ٢٣) فالمجيء هنا بالنفي والإثبات؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد خُوطِبَ خطابَ مَن يظن أنه يستطيع أن يحول قلوبَ المشركين عما هي عليه من الإباء والعناد، ولا يعلم علم اليقين أن ليس في وسعه شيء أكثر من التحذير والإنذار، فجرى الأسلوب كما يجري في خطاب الشاك، فقيل: ﴿إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾. وكقوله -سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف: ١٨٨) فهو يخاطب قومًا يرَوْن في الرسول مخلوقًا قد يملك لنفسه الضر والنفع، ويعلم الغيب، فكان من المناسب وتلك حالهم أن يأتي من أدوات القصر بالنفي والاستثناء يزيل بها بذور الشك من نفوس سامعيه.
وقد يجيء النفي والاستثناء لبيان تأكيد الأمر في نفس قائله كما في قوله سبحانه: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (الإسراء: ٥٢) فهذا تعبير صادق لشعور المبعوثين يوم القيامة بأنه ما انقضَى عليهم منذ وفاتهم سوى أمد يسير. وكذلك قد يجيء للإجابة عن سؤال محقق أو مقدر لتأكيد هذا