من أساليب التوكيد أيضًا القسم؛ فقد لجأ القرآن إلى القسم متبعًا النهجَ العربي في توكيد الأخبار به؛ لتستقر في النفس، ويتزعزع فيها ما يخالفها، وإذا كان القسم لا ينجح أحيانًا في حمل المخاطب على التصديق، فإنه كثيرًا ما يوهن في النفس الفكرة المخالفةَ، ويدفع إلى الشك فيها، ويبعث المرء على التفكير القوي فيما ورد القسم من أجله.
فالناظر في كتاب الله يجد المولى -سبحانه وتعالى- كثيرًا ما يقسم بذاته -جل في علاه- وتصدير ذلك بلفظ "رب" ولكن ذكراه حينًا يكون مضافًا إلى السماء والأرض، كقوله سبحانه: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ (الذاريات: ٢٣) لما في هذه الإضافة من الإشارة إلى خضوع السماء والأرض لأمره، وفي ذلك تعظيمٌ لشأنه، وإيحاءٌ بأن مَن كان هذا أمره لا يزج باسمه إلا فيما هو حق لا مِريةَ فيه. وحينًا آخر يُضاف لفظ "الرب" إلى المشارق والمغارب، كقوله سبحانه: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ (المعارج: ٤٠) لِمَا توحي به هذه الإضافة من القدرة البالغة التي تسخر هذا المخلوق الهائل وهو الشمس، فيشرق ويغرب في دقة وإحكام. وحينًا آخر يضاف إلى لفظ الرسول، كقوله سبحانه: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ﴾ (مريم: ٦٨) وكأنه بذلك يوحي بأن أرباب المشركين ليست جديرة بأن يقسم بها، أو تكون محل إجلال وتقدير.
والقرآن يستخدم أيضًا في القسم ما جرت عادتهم في استخدامه كالحَلِف بحياة المخاطَب، فأقسم سبحانه بحياة رسولنا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ (الحجر: ٧٢) لتأكيد تشريف حياة الرسول وتعظيم أمره -صلوات الله وسلامه عليه- في أعين السامعين. ومن اللطائف أن المولى -سبحانه وتعالى- أقسم بذات نبينا الكريم، وأقسم بمكان ميلاده: ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ (التين: ٣) وأقسم أيضًا


الصفحة التالية
Icon