لغرضه فيما فعَلَ من اختيار ذات الشوكة على غيرها، وأنه ما نصرهم وخذَل أولئك إلا لهذا الغرض.
ومنه أيضًا قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾ (الزمر: ١١ - ١٥) فكرر -سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ وقوله -سبحانه وتعالى: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ فالمراد به غرضان مختلفان، وذلك أن الأول إخبارٌ بأنه مأمور من جهة الله بالعبادة له والإخلاصِ في دينه، والثاني إخبار بأنه -صلوات الله وسلامه عليه- يخص الله وحدَهُ دون غيره بعبادته، مخلصًا له دينَه، ولدلاته على ذلك قدَّم المعبودَ على فعل العبادة في الثاني وأخَّرَه في الأول؛ لأن الكلام أولًا واقع في الفعل نفسه وإيجاده، وثانيًا فيمن يفعل الفعل من أجله -سبحانه وتعالى. ولذلك رتب عليه: ﴿فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾.
ومما يجري من هذا النوع أيضًا فاتحة الكتاب: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ (الفاتحة: ١ - ٤) فكرر: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ مرتين، والفائدة في ذلك أن الأول يتعلق بأمر الدنيا، والثاني يتعلق بأمر الآخرة، فما يتعلق بأمر الدنيا يرجع إلى خلق العالمين في كونه خلق كلًّا منهم على أكمل صفة، وأعطاه جميع ما يحتاج إليه، حتى البَقة والذباب، وقد يرجع إلى غير الخلق كإدرار الأرزاق وغيرها. أما ما يتعلق بأمر الآخرة فهو إشارة إلى الرحمة الثانية في يوم القيامة، الذي هو يوم الدين.
والضرب الثاني من هذا النوع: أن يكون التكرير في اللفظ والمعنى دالًّا على معنى واحد، والمراد به غرض واحد. كقوله تعالى: ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ (المدثر: ١٩، ٢٠) فالتكرير دَلالة التعجب من تقديره وإصابته الغرض، وهذا -كما يقال: قتله الله


الصفحة التالية
Icon