ومن هذا النوع الذي أشاروا إليه أن يكون المعنى مضافًا إلى نفسه مع اختلاف اللفظ، كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾ (سبأ: ٥) فالرجز هو العذاب، وهذا على مَن يرى مسألة الترادف، والصحيح أن لا بد أن يكون هناك فرقا بين العذاب وبين الرجز.
ومما ذكروه في هذا الباب من التكرير في اللفظ والمعنى على غرض واحد قول الله -سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْم اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْم إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ (غافر: ٣٨، ٣٩) فإنه إنما كرر نداء قومه ها هنا؛ لزيادة التنبيه لهم والإيقاظ من سِنة الغفلة، ولأنهم قومه وعشيرته، وهم فيما يوبقهم من الضلال، وهو يعلم وجه خلاصهم، ونصيحتهم عليه واجبة، فهو يتحزن لهم، ويتلطف بهم، ويستدعي بذلك أن لا يتهموه، فإن سرورهم سروره، وغمهم غمه، وأن ينزلوا على نصيحته لهم. وهذا من التكرير الذي هو أبلغ من الإيجاز، وأشد موقعًا من الاختصار.
ومما يجب أن يشار إليه أن هناك بعض الآيات ظن البعض أن فيها تكريرًا وليس فيها تكرير، كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (النحل: ١١٩) وقوله -سبحانه وتعالى: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ﴾ (آل عمران: ١٨٨) فهاتان الآيتان يُظن أنهما من باب التكرير وليستَا كذلك. فإنهما تخرجان عن حكم التكرير؛ وذلك لإطالة الفصل في الكلام بين "إنَّ" الأولى والثانية، فكانت الأولى تفتقر إلى تمام لا يفهم الكلام إلا به، فالأَوْلى في باب الفصاحة أن يُعادَ لفظ الأولى مرةً ثانيةً؛ ليكون مقارنًا لتمام الفصل، كي لا يجيء الكلام منثورًا لا سيما