أبعد من ذلك، فالأمر لا يتوقف على الفاصلة فمراعاة الفاصلة شأن لفظي، ولا يكون تقديم وتأخير وذكر وحذف في كتاب الله لمراعاة لفظ فحسب. فلابد أن الألفاظ تخدم المعاني، فلذلك نجد من يخرج ومن ينظر إلى هذه الظواهر ويخرجها على تأويل وفهم آخر غير الذي ذكر صاحبنا.
ويتعرض أيضًا لقوله تعالى: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ (الأعراف: ١٢١، ١٢٢)، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ ويقول: "للسائل أن يسأل فيقول: لم كرر ذكر رب في السورتين ولم يكرر في سورة طه؟ إنما قال: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ والجواب أن يقال: إذا قيل: رب العالمين فقد دخل فيهم موسى وهارون، وهما دعوا إلى رب العالمين لَما قالا: ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الشعراء: ١٦)، وإلا أنه كرر في السورتين رب موسى وهارون ليدل بتخصيصهما بعد العموم على تصديقهم بما جاء به -عليهما السلام- عن الله تبارك وتعالى فكأنهم قالوا: آمنا برب العالمين، وهو الذي يدعو إليه موسى وهارون.
وأما في سورة طه فلم يذكر رب العالمين؛ لأنه كان الكلام يتم به آية كما تم في السورتين فيكون مقطع الآية فاصلة مخالفة للفواصل التي بنيت عليها سورة طه، فقال تعالى: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ وربهما هو رب العالمين وكان القصد حكاية المعنى لا أداء اللفظ على جهته". ويعرض لقول فرعون: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ (الأعراف: ١٢٣)، وقوله: ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ (طه: ٧١) للسائل أن يسأل عن موضعين في هذه الآية أحدهما إظهار اسم فرعون لعنه الله في سورة الأعراف في هذا اللفظ، وإضماره له في مثله من سورتي طه والشعراء والثاني قوله: ﴿آمَنْتُمْ بِهِ﴾ وقال في الموضعين الآخرين: ﴿آمَنْتُمْ لَهُ﴾ ووجه اختلافهما.


الصفحة التالية
Icon