في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ فالمعنى لا تكونوا سببًا في هلاك أنفسكم بأفعالكم، أما في قوله تعالى: ﴿وهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ فالمعنى أمسكي هازة بجذع النخلة، فجيء بالباء مصورة لمريم ممسكة بجذع النخلة تهزها مبعدة هذا الجذع حينًا ومقربة له إليها حينًا آخر. وكذلك في قوله: ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ﴾، فعلى تضمين يمدد بمعنى يتصل أي فليتصل بسبب، إذ ليس المراد مطلق مادي سبب إلى السماء بل الهدف أن يعلق المغيظ نفسه بهذا السبب، فساغ لذلك هذا التضمين ودلَّت عليه".
الشاهد أن ابن هشام -رحمه الله- اهتم في كتابه (المغني) كثيرًا بهذه المسائل وبتوضيحها وبقضية التضمين بل جعلها من الأساليب التي ينبغي أن يتنبه لها من ينظر في القرآن الكريم وإلى هذه المواضع، والقضية مشهورة في قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ (الشورى: ١١) وكون الكاف زائدة أم غير زائدة، وهذه مسائل تفصيلية تحدثوا فيها وأوضحوها وكتب التفسير مليئة بالرد على نحو ذلك، وبعد أن استعرض الشيخ -رحمه الله- هذه المسائل يقول: "ومن كل ذلك يبدو أن ما يمكن عده زائدًا إنما هو حروف نادرة جيء بها لأغراض بلاغية وفت بها هذه الحروف الزائدة ويظهر أن تسميتها زائدة معناه أنها لا يرتبط بها حكم إعرابي، لا أنها لم تؤدِ في الجملة معنى". وهذا هو الإنصاف الذي ذكرته عن هذا الباحث الجليل -رحمه الله.
ثم استطرد -رحمه الله- إلى وجود بعض المعاني في آيات من القرآن ربما يتوهم المتوهم أن بها زيادة يقول: "ورد في القرآن ما يبدو للنظرة السريعة أنه يمكن الاستغناء عنه، ولكن المتأمل يظهر له الدقة البارعة في اختيار هذا التعبير مثال قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ


الصفحة التالية
Icon