وهذا ما فعله العلامة أبو موسى في كتابه (دلالات التراكيب دراسة بلاغية)، حيث أفرد بحثًا عن الفصل والوصل، وتناول كلام الجرجاني ونظريات السابقين، ومن خلالها بدا له بعض الاعتراضات على هذه التقاسيم، وهذه التفاريع.
ويكفيك في هذا المجال أولًا أن أذكر لك أن اهتمام البلاغيين بالحديث عن الواو التي تُذْكَرُ؛ فتَصل الجملة بأختها، أو تترك فتدع الجملتين منفصلتين؛ قد غالوا في تقدير معرفة الموضع الذي تصلح فيه الواو، والموضع الذي لا تصلح فيه الواو؛ حتى قصر بعض العلماء البلاغة على معرفة الفصل والوصل. وقد قصروا حديثهم في ذلك الموضع على الجمل التي لا محل لها من الإعراب، وهذا لأنّ الجمل التي لها موقع من الإعراب، ويكون موضع الواو فيها من الوضوح بمكان؛ لأنها تشرك الجملة الثانية في حكم الأولى، فتكون مثلها: خبرًا أو صفة أو حالًا أو مفعولًا أو غير ذلك، والأمر فيه سهل بَيّن. أما الذي يشْكُل فأن تعطف على الجملة التي لا موضع لها من الإعراب، جملة أخرى؛ فهنا تقف لترى لِم لَم يستو الحال بين أن تعطف وبين أن تدع العطف؟.
هذا كلامهم في مسألة الفصل والوصل وقصرهم عليها على استخدام الواو دون غيرها من حروف العطف، وذلك عند المتأخرين عندما بينوا أن الوصل يكون باستخدام الواو عاطفة بين الجملتين، وأن الفصل يكون بعدم استخدام الواو عاطفة بين الجملتين. فإنْ سألت لماذا اختصت الواو بالحديث في هذا الباب دون غيرها؟ قيل لك: لأنّ غيرها من حروف العطف، تُفيد مع الإشراك معانٍ كأنْ تدل الفاء على الترتيب من غير تراخٍ، وثم على الترتيب مع التراخي، و"أو" للتردد بين شيئين؛ فإذا عطفت جملة على جملة، بواحد منها ظهرت فائدة هذا


الصفحة التالية
Icon