يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (الفرقان: ٦٨، ٦٩)، يقول: "فالآثام فيه نية العذاب قليله وكثيره، ثُمّ فسره بغير الواو، فقال: ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ ألا ترى أنك تقول: عندي دابتانبغل وبرذون ولا يجوز: عندي دابتان وبغل وبرذون، وإننا نريد تفسير الدابتين بالبغل والبرذون، ففي هذا كفاية عما نترك فقس عليه". ويقول في قوله تعالى: ﴿قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ (البقرة: ٦٧). يقول: " ﴿قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ﴾ وهذا في القرآن كثير بغير الفاء، وذلك لأنه جواب يستغني أوله عن آخره بالوقفة عليه، فيقال: ماذا قال لك؟ فيقول القائل: قال كذا وكذا؛ فكأنّ حُسْنَ السّكوتِ يجوزُ به طرح الفاء، وأنت تراه في رءوس الآيات لأنها كفصول حسنى".
فنرى من هذه النصوص أن الفراء ينص على التسمية بأن رءوس الآيات إذا جاءت منفصلة عما قبلها؛ فهي فواصل، كما أنها إذا كانت واقعة في جواب لسؤال مقدر، تنفصل الآية عما قبلها، كما يفصل الجواب عن السؤال؛ وهذا ما عرفه المتأخرون بشبه كمال الاتصال والآن نذكر ما ذكره الجرجاني، وأشار إليه، وتغافل عنه الكثيرون بعده عند تحديد المصطلح وبيانه، فاقتصروا على عطف الجمل، وهو أنْ نشير إلى الحديث عن وصل المفردات وفصلها، تعطف المفردات بعضها على بعض بالواو إذا حصل التناسب ووجد التجانس؛ كقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف: ٣٣). فكل ما عطف بالواو يندرج تحت جنس المحرمات، التي حرمها الله -سبحانه وتعالى.


الصفحة التالية
Icon