وكذلك لو نظرت في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ (الأعراف: ١٩٧)، فجملة: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ﴾ واقعة خبرًا لاسم الموصول، وجملة: ﴿وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ تشارك الجملة التي سبقتها في حكمها الإعرابي، إذ المقصود من الآية الإخبار عن الاسم الموصول بأمرين؛ أحدهما: أنهم لا يستطيعون نصرًا لمن يعبدونهم، والثانية: أنهم لا يملكون نصرًا لأنفسهم؛ لهذا عطفت الجملة الثانية على الأولى، والتناسب واضح بين الجملتين. فبان لك في هذين المثالين ما وضحوه في الموضع الأول بإشراك الجملة الثانية مع الأولى في الحكم الإعرابي. ووجود المناسبة وعدم وجود مانع من الوصل. ولذلك عاب النقاد البيت المشهور لأبي تمام عندما يقول في مدح أبي الحسين بن الهيثم:
زعمت هواك عفا الغداة كما عفا
عنها طلال باللوى ورسوم
لا والذي هو عالم أن النوى
صبر وأن أبا الحسين كريم
ما زلت عن سنن الوداد ولا غدت
نفسي على إلف سواك تحوم
فالرجل هنا يخاطب محبوبته، ويريد في ثنايا الكلام أن يمدح أبا الحسين بن الهيثم فيقول:
لا والذي هو عالم أن النوى
صبر وأن أبا الحسين كريم
فاستخدم "الواو" ووصل الجملتين مع عدم وجود مناسبة بينهما، وعدم إرادة إشراك الجملتين في الحكم الإعرابيفتساءل العلماء: ما الصلة بين أن النوى صبر -يعني الفراق صعب- وبين كرم أبي الحسين؟ فالرجل هنا قال كلامًا انتقد فيه، وذكر النقاد هذا مثالًا لاستخدام الوصل في موضع لا مناسبة فيه بين


الصفحة التالية
Icon