الجملتين، وإن كنت أرى -والله أعلم- أن أبا تمام على قدر من الفصاحة والبيان يدفعه عن الوقوع في مثل هذا الخطأ البَيّن؛ فكأنه يريد في هذا المعنى أن يبرز شيئًا وهو أن أبا الحسين وكرمه قد ملآ عليه جوارحه فإذا به يذكره في مخاطبته لحبيبته، هذا والله أعلم.
والموضع الثاني من مواضع الوصل هو: أن تتفق الجملتان خبرًا أو إنشاءً، لفظًا ومعنى أو معنى فقط، مع وجود المناسبة بينهما وليس هناك مانع من الوصل، وينطبق هذا في ثلاث صور؛ الأولى: اتفاق الجملتين في الخبرية لفظًا ومعنى، انظر إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ (الانفطار: ١٣، ١٤)، فالجملتان خبريتان مؤكدتان بإن ودخول اللام على الخبر، ووقع بينهما حرف العطف؛ فهما متفقتان في الخبرية لفظًا ومعنى. والتناسب ظاهر بينهما، فالأبرار ضد الفجار، والكون في النعيم ضد الكون في الجحيم، فلذلك عطفت الثانية على الأولى. ومثلها قوله تعالى: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ (يونس: ٣١)، فالجملتان خبريتان لفظًا ومعنى، والتناسب واضح فيهما إذ المسند إليه والمسند فيهما واحد، لذلك عطفت الثانية على الأولى.
الصورة الثانية: اتفاق الجملتين في الإنشائية لفظًا ومعنى، ونظير ذلك كثير في القرآن منه قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾ (الأعراف: ٣١)، فالجمل الثلاث جمل إنشائية الأولى والثانية أمر، والثالثة نهي، والأمر والنهي والاستفهام والنداء كل ذلك ضرب من ضروب الإنشاء. الشاهد أن الجملتين إنشائيتان ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾ الجمل الثلاث إنشائية وعُطف بينها