فلا صلة بين الجملتين؛ ولذا تعين الفصل وعدم الوصل بالواو. الحالة الثالثة: ما يسميه البلاغيون شبه كمال الاتصال، وهو: أن تكون الجملة الثانية جوابًا عن سؤال يفهم من الجملة الأولى، وهذا ما اهتم به الجرجاني وذكر له أمثلة عديدة في كتابه (دلائل الإعجاز) من ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ (يوسف: ٥٣) ففصلت الجملة الثانية ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ عن الأولى؛ لأنها واقعة في جواب سؤال مقدر، وكأنه قيل: هل النفس أمارة بالسوء؟ فقيل: ﴿إنّ النّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾. وكذلك في قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ (هود: ٤٦)، ففصلت الجملة الثانية ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ عن الأولى ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ لأن الثانية وقعت جوابًا لسؤال الجملة الأولى، وهو كيف لا يكون من أهلي وهو ابني؟! فكان الجواب عن ذلك: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ فالجملة الثانية مرتبطة بالأولى ارتباطًا وثيقًا كما يرتبط الجواب بالسؤال ولهذا ترك العطف؛ لأنّ الجواب لا يعطف على السؤال.
ومنْ ذَلك كل ما ورد في القرآن الكريم من الجُمل المصدرة بلفظ "قال" مفصولًا عما قبله كقوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ﴾ (الذاريات: ٢٤ - ٢٨). كأنها حوار فيه استفسارات وإجابات عنها وارجع إلى (الدلائل) فإنه بينها تمام البيان. الموضع الرابع من مواضع الفصل: هو شبه كمال الانقطاع: وهو أنتسبق جملة بجملتين، يَصِحُّ عطفها على إحداهما، ولا يصح عطفها على الأخرى لفساد المعنى؛ فيترك العطف كلية، دفعًا لتوهم أن تكون الجملة


الصفحة التالية
Icon