سُطِحَتْ} (الغاشية: ١٧ - ٢٠)، فالمطلوب في الآية التأمل في خلق الله؛ ليصلوا إلى الإيمان بالبعث.
والتناسب بين الجمل واضح فقد بدأ حديثه بالإبل التي هي عنصر أساسي في في حياة البدوي في صحرائه، وانتقل من الإبل إلى ما يرونه أمامهم في كل حين من سماء رفعت بلا عمد، وللسماء عند البدوي مكانة خاصة يتجه إليها ببصره يستنزل منها الغيث ويهتدي بنجومها في سراه بالليل، فإذا هبط ببصره قليلًا رأى هذه الجبال الشامخة منصوبة تناطح السماء بقممها، وترسو في ثبات واطمئنان على أرض مهدت له، وسطحت أمامه أو لا نرى أن تنقل البصر بين هذه المخلوقات تنقل هادئ طبيعي لا قفز فيه، وأن ارتباط بعضها ببعض في طبيعة البدوي مهد للربط بينهما وعطف بعضها على بعض.
هذا ما أشار إليه أستاذنا أحمد بدوي في كتابه (من بلاغة القرآن) بضرب أمثلة لجمال الوصل وما فيه من تأمل وأشار أيضًا بمثال آخر يقول: "وقد يحتاج معرفة الوصل بين الجملتين إلى مزيد عناية وتدبر كما في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ (البقرة: ١٨٩)، فقد يبدو لأول النظر أنه لا ارتباط بين أحكام الأهلة وبين حكم إتيان البيوت من ظهورها، ولكن الربط نشأ من أن ناسا من العرب كانوا إذا أحرموا بالحج لم يدخل أحدهم بيتًا ولا خيمة ولا خباءً من باب، بل إن كان من أهل المضر ثقب ثقبًا من ظاهر البيت؛ ليدخل منه وخرج من خلف الخيمة أو الخباء إن كان من أهل الوبر، فلما تحدث القرآن عن الأهلة، وأنها مواقيت للحج ناسب ذلك أن يتحدث عن عادتهم هذه في الحج ذاكرًا أنها ليست من البر في شيء. وقد أشار إلى ذلك أيضًا الزمخشري، وكان ذلك الكلام مستمدا من كلام الزمخشري في (الكشاف) ".