من محسنات الوصل أيضًا ما يسمى بعطف القصة على القصة أو مضمون كلام على مضمون كلام آخر قبله. انظر في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ﴾ (البقرة: ٢٤، ٢٥)، فيرى الزمخشري أن جملة ﴿وَبَشِّرِ﴾ هي وصف جملة ثواب المؤمنين معطوفة على جملة وصف عقاب الكافرين كما جوّز أن يكون معطوفًا على قوله: ﴿فَاتَّقُوا﴾. وأخيرًا هذه الإشارة إلى استخدام القرآن الكريم للواو، فإن الواو وإن كانت لمطلق الجمع ولا تقتضي ترتيبًا ولا تعقيبًا؛ فليس معنى ذلك أن الآية القرآنية تجمع بين معطوفات على غير ترتيب ولا نظام بل تقديم المعطوف عليه يكون مشيرًا إلى مغزى، ودالًا على هدف حتى تصبح الآية بتكوينها تابعة لمنهج نفسي يتقدم فيها، ما تجد النفس تقديمه أفضل من التأخير.
فمثلًا يتقدم بعض المعطوفات على بعض كما يتقدم السبب على المسبب كقوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (الفاتحة: ٥)، فتقديم العبادة على الاستعانة تقديم للوسيلة قبل طلب الحاجة، وذلك أنجح في توقع حصولها، وكذلك تتقدم الكلمة لتقدمها في العمل كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ (الحج: ٧٧)، فالركوع قبل السجود، وكقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ (المائدة: ٦)، فمسح الرأس يتبع غسل الوجه، فغسل الوجه مقدم على مسح الرأس، وأيضًا يتقدم الكثير على ما دونه كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ (التغابن: ١٤) لأن العداوة في


الصفحة التالية
Icon