نقول لك: إن البلاغيين اهتموا في الكلام عن الحال بكونها تأتي مفردة، وتأتي جملة، وأسهبوا في بيان الكلام عن الجملة؛ لأنها التي يظهر فيها الفروق في الاستخدام، وهذا ما أشار إليه الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز)، ونبدأ في كلامنا المستمد من كلام النحاة، أن كلام النحاة في الحال وفي أقسامها وفي تنوعها غالبًا ما يكون مستمدًا من الناحية المعنوية والبلاغة تهتم بالمعاني مع الألفاظ، فإن قلنا في التعريف: إنهم يذكرون أن الحال وصف، وأنه فضلة، وأنه منتصب نقول: إن الوصف يعنون به ما هو مشتق، والفضلة يعنون بها ما ليس ركنًا أساسيًا في الجملة، والمنتصب هذه الناحية اللفظية في نطقه أنه يكون منصوبًا بالفتحة أو ما ناب عنها. مثال الفتحة ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا﴾ (النمل: ١٩)، أو ما ناب عنها ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (البقرة: ٦٠)، ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ (الدخان: ٣٨)، إلى غير ذلك مما هو كثير في كتاب الله سبحانه وتعالى.
لم يقتصر كلام النحاة على هذا الشكل، إنما اهتموا ببيان أحوال الحال المفردة، والحال المفردة لاهتمام النحاة بها، والله أعلم لم يولها البلاغيون كثير اهتمام؛ لأن النحاة أوْلَوا أو سددوا أو بينوا هذه الاستخدامات في الحال المفردة، فعندما يتحدثون عنها بأنها تكون منتقلة غالبًا، وتأتي لازمة، وأنها تكون عمدة في المعنى فضلة في الموقع الإعرابي، وأنها تكون مؤكدة لعاملها أو لصاحبها أو لمضمون جملة قبلها؛ هذا كله لعلم المعاني أقرب منه لعلم النحو، وهو موجود في كلام النحاة، وباين وظاهر في أقوالهم وفي مصنفاتهم، وخاصة ممن يهتمون بنحو ذلك كابن هشام -رحمه الله.


الصفحة التالية
Icon