يقولون: إن الحال تأتي مشتقة أو وصفًا، فإذا ما أتت جامدة كان هذا الإتيان لغرض أو لبيان معنى ما وكونها تأتي جامدة، فذلك ينقسم عندهم إلى جامدة مؤولة بالمشتق، وجامدة غير مؤولة بالمشتق، فإذا نظرنا في أساليب القرآن نجد هذه الضروب جميعها موجودة في كتاب الله -سبحانه وتعالى، فذلك يؤكد ما يميل الرأي إليه من أن النحاة استمدوا هذه القواعد وهذه التقسيمات من كتاب الله -سبحانه وتعالى- ومن استخدامات القرآن الكريم للحال.
فكون الحال مشتقة هذا الأعم الأغلب بأنها تأتي اسم فاعل كقوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا﴾ (القصص: ٢١)، وبأنها تأتي اسم مفعول كقوله تعالى: ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا﴾ (الأعراف: ١٨)، أو تأتي صيغة مبالغة كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ (الشعراء: ١٣٠)، إلى غير ذلك من صيغ الاشتقاق، ولكنها تأتي أيضًا في القرآن جامدة ومثال إتيانها جامدة غير مؤولة بالمشتق: ﴿وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا﴾ (الأعراف: ٧٤)، فإن ﴿بُيُوتًا﴾ تقع موقع الحال، ومع ذلك هي جمع بيت، وهي كلمة جامدة ليست بمشتقة، وهذا الجمود فيها قد يكون ممهدًا لمشتق بعدها، ومن ثم أطلقوا على بعض الحال ما يسمى بالحال الموطئة أو الحال الممهدة؛ لأنها تمهد لمشتق يأتي بعدها، وهي في الأصل جامدة من ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ (يوسف: ٢)، فكلمة قرآن جامدة، وكلمة ﴿عَرَبِيًّا﴾ بمعنى منسوب إلى العرب مشتقة، فجاءت كلمة ﴿قُرْآنًا﴾ في الآية الكريمة حالًا موطئة لكلمة ﴿عَرَبِيًّا﴾ التي وقعت صفة لها، وكذلك قوله تعالى: ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ (مريم: ١٧)، فـ ﴿بَشَرًا﴾ هي التي تعرب حالًا، وفي الحقيقة الحال في استوائه بأنه على صورة سوية مألوفة لمن يراها بأنه بشر.


الصفحة التالية
Icon