وكون الحال فضلة لا يعني أنه يستغنى عنها، فإنها قد تأتي غير مستغنى عنها من ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ (الدخان: ٣٨) فلا نستطيع حذف الحال، وإلا فسد المعنى، وكونها منتقلة هذا في الأعم الأغلب؛ لأنه كما يقال: دوام الحال من المحال، فعندما نقول: جاء محمد ضاحكًا، فإن محمدا لا يظل دهره ضاحكًا، وإنما ينتقل من حال إلى أخرى، ومع ذلك تأتي الحال لازمة وذلك شواهده كثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى، وإن كان النحاة يمثلون بقولهم: خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها على أن كلمة أطول وقعت حالا، وطول يد الزرافة عن رجلها مسألة لا تنتقل، فهي لازمة إلا أننا لو نظرنا في القرآن نجد أمثلة واضحة تؤكد هذا الاستخدام خير مما مثل به النحاة كقوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ (آل عمران: ١٨)، فـ ﴿قَائِمًا﴾ وقعت حالا، وهي لازمة كذلك قوله سبحانه: ﴿وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ (الحديد: ٢٩)، فشبه الجملة ﴿بِيَدِ اللَّهِ﴾ وقعت حالًا، وكون الفضل بيد الله لا ينتقل البتة.
وأيضًا الحال تدل على الوصف حالة النطق بها، والاستخدام القرآني يبين لنا أن الحال قد تأتي بعد النطق بها، وهي ما تسمى بالحال المقدرة أو المستقبلة التي تقع في المستقبل، كقوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ (البقرة: ١٦٢)، وكقوله تعالى: ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ﴾ (الأنعام: ١٤١)، وكقوله تعالى: ﴿وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا﴾ فلم تكن الجبال وقت النحت بيوتًا، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ (يوسف: ١٠٠)، فالسجود يكون بعد الخرور.
واهتموا أيضًا ببيان الحال المؤكدة، والحال المؤكدة هي التي يستفاد معناها بدونها أي: أنها كما يقال: لا تفيد جديدًا في وصف الهيئة، فالهيئة ظاهرة أو الكلام