القرآن الكريم، التي تظهر جلية في باب الاستعارة، وحتى إن بعضهم يُسمي بهذا التسمية، يقول: التصوير عن طريق الاستعارة، فدراسة الأقدمين لهذه المسألة كانت قاصرة على توضيح نوع الاستعارة وبيان إجراء استعارة والحديث عما فيها من وجه بلاغي، هذا المعنى هو الذي نجده في كتب السابقين وفي بيان ما يُسمى بالتصوير أو بالصورة في القرآن الكريم.
وهذا الاقتصار هو السمة الغالبة في مصنفاتهم، حتى إن الدكتور أحمد بدوي مثلًا يقول: ولم أرَ إلى ما ندُر من وقوف بعضهم يتأمل بعض هذه اللمحات الفنية المؤثّرة، وليس مثل هذه الدراسة بمجدٍ في تذوق الجمال وإدراك أسراره، يقول: إنه لم يرَ من المصنفين السابقين إلا النادر أو القليل الذي كان يهتم بإبراز مظاهر التصوير أو الجمال الفني في التصوير في القرآن الكريم؛ لأنه به يظهر أسرار القرآن في جماله في الصور التي تجعل القارئ يحسّ بالمعنى أكمل إحساس وأوفاه، وتصوّر المنظر للعين وتنقل الصوت للأذن، وتجعل الأمر المعنوي ملموسًا محسّنًا، وبدأ يذكر بعض الصور التي ذكرها القدامى في هذا المجال؛ فمنها قول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعً﴾ (الكهف: ٩٩)، فكلمة يموج لا تقف عند حد استعارتها لمعنى الاضطراب، بل إنها تصور للخيال هذا الجمع الحاشد من الناس احتشادًا لا تدرك العين مداه، حتى صار هذا الحشد الزاخر كبحر، وترى العين منه ما تراه في البحر الزاخر من حركة وتموّج واضطراب، ولا تأتي كلمة "يموج" إلا موحية بهذا المعنى ودالة عليه.
هذه صورة من الصور التي ذُكرت عند الأقدمين في الاستعارة لكلمة يموج، وما توحي به من ازدياد الحشد وكثرة العدد في هذا المنظر، الذي تراه بعينك، وكذلك عند حديثهم عن قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ (مريم: ٤)، فإن كلمة