"اشتعل" لا تقف عند معنى انتشر وحسب، ولكنها تحمل معنى دبيب الشيب في الرأس في بطء وثبات، كما تدب النار في الفحم مبطئة، ولكن في دأب واستمرار، حتى إذا تمكنت من الوقود اشتعلت في قوة لا تبقي ولا تذر، كما يحرق الشيب ما يجاوره من شعر الشباب، حتى لا يظهر شيئًا إلا التهمه وأتى عليه، ويقول: وفي إسناد الاشتعال إلى الرأس ما يوحي بها الشمول الذي التهم كل شيء في الرأس.
وبدأ -رحمه الله- يذكر أمثلةً على ما تنبه إليه القدامى في هذه المسألة من باب الاستعارة التي تحمل صورة بيانية لمن يسمعها ولمن ينظر فيها، وأن القرآن قد يجسِّم المعنى، ويهب للجماد العقل والحياة زيادة في تصوير المعنى وتمثيله للنفس، وذلك بعض ما يعبر عنه البلاغيون بالاستعارة المكنية، وذكر مثالًا لها قول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ﴾ (الأعراف: ١٥٤)، ﴿وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ (الأعراف: ١٥٠)، فهنا كلمة الغضب تشعرك بأنه إنسان يدفع موسى ويحثه على الانفعال والثورة، ثم يسكت ويكفّ عن دفع موسى وتحريضه، وهذه صورة بيانية جميلة ذكرها السابقون في مجال الاستعارة.
هذا -كما يُقال- هو حد الدرس في مسألة التصوير عند البلاغيين الذين يهتمون بهذه المسألة، أما النقْلة التي حدثت في عصرنا هذا هو ما أحدثه الأستاذ سيد قطب في كتابه (التصوير الفني) فبين المسألة بصورة تستدعي منا أن نقف معها ونرى فكر الرجل في هذه المسألة العظيمة:
بدأ -رحمه الله- أن يبين لنا مسألة هي بمثابة التمهيد لهذه المسألة، وهي أن القرآن قد سحر من آمن به ومن لم يؤمن به، وهذا ظاهر في قول الوليد: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَر﴾ (المدثر: ٢٤)، فيقول: الوليد بن المغيرة شغله القرآن ونظر فيه