وهو ترس صغير جدًّا في عجلة الكون الهائلة، والقوانين الكلية تسري عليه رضي أم كره، ولكنه هو وحده الذي لا ينقاد طائعًا طاعة الأرض والسماء، إنما يحاول أن ينفلت وينحرف عن المجرى الهين اللين؛ فيصطدم بالناموس التي لا بد أن تغلبه وقد تحطمه وتسحقه، فيستسلم خاضعًا غير طائع إلا عباد الله الذين تصطلح قلوبهم، وكيانهم وحركاتهم وتصوراتهم وإراداتهم ورغباتهم واتجاهاتهم تصطلح كلها مع النواميس الكلية؛ فتأتي طائعة وتسير هينة لينة مع عجلة الكون الهائلة، متجهة إلى ربها مع الموكب، متصلة بما فيه من قوى، وحينئذ تصنع الأعاجيب وتأتي بالخوارق؛ لأنها مصطلِحة مع الناموس مستمدة من قوته الهائلة، وهي منه وهو مشتمل عليها في الطريق إلى الله طائعين.
إننا نخضع كرهًا فليتنا نخضع طوعًا، ليتنا نلبي تلبية الأرض والسماء في رضا في فرح باللقاء مع روح الوجود الخاضعة المطيعة الملبية المستسلمة لله رب العالمين.
إنها تأتي أحيانًا حركات مضحكة، عجلة القدر تدور بطريقتها وبسرعتها، ولوجهتها وتدير الكون كله معها وفق سنن ثابتة، ونأتي نحن فنريد أن نسرع أو أن نبطئ نحن من بين هذا الموكب الضخم الهائل، نحن بما يطرأ على نفوسنا حين تنفك عن العجلة، وتنحرف عن خط السير من قلق واستعجال وأنانية وطمع ورغبة ورهبة، ونظل نشرد هنا وهناك، والكوكب ماض ونحتك بهذا الترس وذاك ونتألم، ونصطدم هنا وهناك ونتحطم، والعجلة ماضية في سرعتها وبطريقتها إلى وجهتها، وتذهب قواتنا وجهودنا كلها سدى، فأما حين تؤمن قلوبنا حقًّا وتستلم لله حقًّا، وتتصل بروح الوجود حقًّا، فإننا حينئذ نعرف دورنا على حقيقته، وننسق بين خطانا وخطوات القدر، ونتحرك في اللحظة المناسبة بالسرعة المناسبة في المدى المناسب تتحرك أو نتحرك بقوة الوجود كله مستمدة من خالق الوجود، ونصنع أعمالًا عظيمة فعلًا دون أن يدركنا الغرور؛ لأننا نعرف


الصفحة التالية
Icon