قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: "فالله يشهد بأنك رسوله الذي أنزل عليه الكتاب، وهو القرآن العظيم؛ ولهذا قال: ﴿أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ أي: فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان، وما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه ويأباه، وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل، وكل آية من كتاب الله تحمل علمًا إلهيًّا يعرفه البشر عند ارتقائهم بأسباب العلوم والمعارف في الميدان الذي تتحدث عنه الآية القرآنية، والقرآن مليء بالآيات التي تتحدث عن مظاهر الكون وحديثه عن الكون هو حديث من يعلم أسراره ودقائقه؛ لأنه هو الذي خلقه، وأوجده فهو الأعلم بحقائقِهِ، ودقائقِهِ".
مع أن البشرية كلها في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تكن تعلم تلك الأسرار، بل كانَ يَغْلِبُ على تفكيرها الأسطورة والخرافة، لكن القرآن الكريم أوقفهم على الحقائق؛ لأن القرآن الكريم إذا كان من عند محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو مملوء بالوصف لمظاهر الكون الأرض السماء الجبال، البحار، الأنهار، الشمس، القمر، النبات، الحيوان، الإنسان، الرياح الأمطار، وغير ذلك؛ فإن حديثه عن هذه المظاهر الكونية سيعكس لنا علم سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وثقافته عن المخلوقات وأسرارها كما يعكس لنا علم مجتمعه وبيئته وعلوم عصره في ذلك المجال، وهي علوم غلبت عليها السذاجة والخرافة والأسطورة فكان ينبغي أن نجد القرآن عندنا مملوءا بالخرافة، والأسطورة، والخبر الساذج عند حديثه عن الكون وأسراره، كما هو شأن كل الكتب التي دونت في تلك الأزمنة بما فيها الكتب المقدسة عند اليهود والنصارى التوراة والإنجيل التي طرأ عليهما التحريف. هذا إذا كان القرآن من عند سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم. أما إذا كان القرآن من عند الله؛ فسنراه في حديثه عن المخلوقات وأسرارها يسبق مقررات العلوم الحديثة، وهذه الاكتشافات العلمية تلهث وراء القرآن، فتقرر ما فيه من حقائق وتؤكد ما فيه من مقررات في شتى المجالات والله -سبحانه وتعالى- وعد بذلك وقال: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ (فصلت: ٥٣).