أسواق البلاغة والبيان في عكاظ، وذي المجنة والمجاز، وهم من أدرك عظمة بيانِ القرآن، وجلال كلامه، وقد تحداهم الله أن يأتوا بمثله فلم يقدروا على ذلك.
ثانيًا: من وجوه الإعجاز: الإعجاز التشريعي؛ عرفت البشرية في عصور التاريخ ألوانًا من المذاهب والنظريات، والنظم والتشريعات التي تستهدف سعادة الفردِ في مجتمعٍ فاضلٍ، وكَتَبَ الكثيرُ من الفلاسفة عن المدينة الفاضلة، ولكن واحدًا من تلك المذاهب لم يبلغ من الروعة والجلال مبلغ القرآن في إعجازه التشريعي؛ فهو يبدأ بتربية الفرد حيث يحرر وجدانه بعقيدة التوحيد: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (الإخلاص: ١). ويأمر بأداء العبادات من صلاة وزكاة وصوم وحج، ويدعوه إلى الأخلاق الحسنة كالإيثار والجود، والكرم، والصبر، والأمانة، ويغرس في نفسه المسئولية الفردية: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ (المدثر: ٣٨) وفي قول الله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ (البقرة: ٢٨٦).
وينتقل القرآن إلى بناء الأسرة؛ لأنها نواة المجتمع فيشرع الزواج ويقيم رباط الأسرة على الود والرحمة، والسكن النفسي، والعشرة بالمعروف ومراعاة خصائص الرجل وخصائص المرأة، ويقرر القرآن كيفية قيام الدولة التي تسود المجتمع، وصفات حكومتها فهي حكومة تقوم على الشورى. قال تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (آل عمران: ١٥٩) وهي حكومة تقوم على العدل المطلق في نطاق القدرة البشرية. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ (النساء: ١٣٥). والتشريع في الحكومة المسلمة ليس متروكًا للناس، وإنما هو مقرر من الله في القرآن والسنة النبوية المطهرة. قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (المائدة: ٤٤) والقرآن يقرر صيانة الضرورات