سَأَلْتُكَ اللهَ إِنْ عَايَنْتَ لِي خَطًا | فَاسْتُرْ عَلَيَّ فَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ سَتَرَا |
* منار الهدى في بيان الوقف والابتدا *
مقدمًا أمام المقصود فوائد وتنبيهات تنفع القارئ وتعينه على معرفة الوقف والابتداء؛ ليكون على بصيرة إذا خاض في هذا البحر الزخَّار، الذي لا يدرك له قرار، ولا يسلك إلى قنته ولا يصار، من أراد السبيل إلى استقصائه لم يبلغ إلى ذلك وصولًا، ومن رام الوصول إلى إحصائه لم يجد إلى ذلك سبيلًا، قد أودع الله فيه علم كل شيء، وأبان فيه كل هدى وغي، فترى كل ذي فن منه يستمد، وعليه يعتمد، جعله للحكم مستودعًا، ولكل علم منبعًا، وإلى يوم القيامة نجمًا طالعًا، ومنارًا لامعًا، وعلمًا ظاهرًا، ولا يقوم بهذا الفن إلَّا من له باع في العربية، عالم بالقراءات، عالم بالتفسير، عالم باللغة التي نزل القرآن بها على خير خلقه، مزيل الغمة، بعثه به بشيرًا ونذيرًا إلى خير أمة، شهد به كتابه المبين عن لسان رسوله الصادق الأمين، جعله كتابًا فارقًا بين الشك واليقين، أعجز الفصحاء معارضته، وأعيا الألباء مناقضته، وأخرس البلغاء مشاكلته، جعل أمثاله عبرًا للمتدبرين، وأوامره هدى للمستبصرين، ضرب فيه الأمثال، وفرَّق فيه بين الحرام والحلال، وكرر القصص والمواعظ بألفاظ لا تمل، وهي مما سواها أعظم وأجل، ولا تخلق على كثرة الترديد، بل بكثرة تلاوتها حسنًا وحلاوة تزيد، قد حثنا على فهم معانيه، وبيان أغراضه ومبانيه، فليس المراد حفظ مبناه، بل فهم قارئه معناه، قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)﴾ [محمد: ٢٤]. فقد ذم الله اليهود؛ حيث يقرءون التوراة من غير فهم، فقال: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٧٨)﴾ [البقرة: ٧٨]. فعلى العاقل الأديب، والفطن اللبيب أن يربأ بنفسه عن هذه المنزلة الدنية، ويأخذ بالرتبة السَّنيَّة، فيقف على أهم العلوم وآكدها المتوقف عليها فهم الكتاب والسُّنَّة وهي بعد تجويد ألفاظه خمسة: علم العربية، والصرف، واللغة، والمعاني، والبيان.