والشاذ: ما لم يصح سنده نحو: «لقد جاءكم رسول من أنفَسكم» بفتح الفاء (١)، و «إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ» برفع (اللهُ)، ونصب (العلماءَ) (٢)، وكذا كل ما في إسناده ضعف؛ لأن القرآن لا يثبت إلَّا بالتواتر عن النبي - ﷺ - سواء وافق الرسم أم لا. قال مكي: ما روي في القرآن ثلاثة أقسام: قسم يقرأ به ويكفر جاحده وهو ما نقله الثقات ووافق العربية وخط المصحف، وقسم صح نقله عن الأجلاء وصح في العربية وخالف لفظه الخط فيقبل ولا يقرأ به، وقسم نقله ثقة ولا وجه له في العربية، أو نقله غير ثقة فلا يقبل، وإن وافق خط المصحف؛ فالأول: كـ «ملك»، و «مالك». والثاني: كقراءة ابن عباس: «وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة» (٣) واختلف في القراءة بذلك، فالأكثر على المنع؛ لأنها لم تتواتر وإن ثبتت بالنقل فهي منسوخة بالعرضة الأخيرة. ومثال الثالث وهو ما نقله غير ثقة كثير، وأما ما نقله ثقة ولا وجه له في العربية فلا يكاد يوجد.
وقد وضع السلف علم القراءات دفعًا للاختلاف في القرآن، كما وقع لعمر بن الخطاب مع أُبَيِّ بن كعب (٤) حين سمعه يقرأ سورة الفرقان على غير ما سمعها هو من النبي - ﷺ - فأخذه ومضى به إلى رسول الله - ﷺ - فأمر النبي - ﷺ - كل واحد أن يقرأ، فقرأ كل واحد ما سمعه فقال النبي - ﷺ -: «هكذا أنزل» (٥)، ولا
(٢) وقرأ بها عمر بن عبد العزيز- أبو حيوة- أبو حنيقة. انظر هذه القراءة في: الإملاء للعكبري (٢/ ١٠٨)، البحر المحيط (٧/ ٣١٢)، تفسير القرطبي (١٤/ ٣٤٤)، الكشاف (٣/ ٣٠٨)، تفسير الرازي (٢٦/ ٢١).
(٣) وكذا رويت عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وأُبيّ، وهي قراءة شاذة. انظر هذه القراءة في: البحر المحيط (٦/ ١٥٤)، تفسير الطبري (١٦/ ٣)، تفسير القرطبي (١١/ ٣٤)، الكشاف (٢/ ٤٩٥).
(٤) لم أقف عليه في أيٍّ من المصادر التي رجعت إليها من كتب السنن، أن ما حدث كان مع أُبي، ولكن ما وجدته فقد حدث بين عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم، وليس أُبي بن كعب!!.
(٥) وقد وقفت على نحوه في المسند الجامع: عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ يَقُولُ: مَرَرْتُ بِهِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ، فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ - ﷺ -، فَاسْتَمَعْتُ قِرَاءَتَهُ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ - ﷺ -، فَكِدْتُ أَنْ أُسَاوِرَهُ فِي الصَّلاَةِ، فَنَظَرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلمَّا سَلَّمَ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي تَقْرَؤُهَا؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ - ﷺ -، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَذَبْتَ، فَوَاللهِ، إِنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - لَهُوَ أَقْرَأَنِي هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي تَقْرَؤُهَا، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ أَقُودُهُ إِلَى النَّبِيِّ - ﷺ -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، وَأَنْتَ أَقْرَأْتَنِي سُورَةَ الْفُرْقَانِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - ﷺ -: أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - ﷺ -: هَكَذَا أُنْزِلَتْ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - ﷺ -: اقْرَأْ يَا عُمَرُ، فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللهِ - ﷺ -، فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَؤُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ. أخرجه مالك «الموطأ» (ص: ٥٤٠)، وأحمد (١/ ٤٠)، برقم: (٢٧٧)، قال: حدَّثنا عَبْد الرَّحْمان. والبُخَارِي (٣/ ١٦٠)، برقم: (٢٤١٩)، قال: حدَّثنا عَبْد الله بن يُوسُف. ومسلم (٢/ ٢٠٢)، برقم: (١٨٥١)، قال: حدَّثنا يَحيى ابن يَحيى. وأبو داود برقم: (١٤٧٥)، قال: حدَّثنا القَعْنَبِي. والنَّسائي (٢/ ١٥٠)، وفي الكبرى برقم: (١٠١١، و٧٩٣١)، قال: أَخْبَرنا مُحَمد بن سَلَمَة، والحارث بن مِسْكين، قراءةً عليه وأنا أَسْمع، عن ابن القاسم. وبرقم: (١١٣٠٢)، قال: أَخْبَرنا مُحَمد بن سَلَمَة، أَخْبَرنا ابن القاسم.