قال السخاوي (١): ينبغي للقارئ أن يتعلم وقف جبريل؛ فإنه كان يقف في سورة آل عمران عند قوله: ﴿صَدَقَ اللَّهُ﴾، ثم يبتدئ: ﴿فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾، والنبي - ﷺ - يتبعه، وكان النبي - ﷺ - يقف في سورة البقرة، وسورة المائدة عند قوله تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾، وكان يقف على قوله: ﴿قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾، وكان يقف: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ﴾، ثم يبتدئ: ﴿عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾، وكان يقف: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾، ثم يبتدئ: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى﴾، وكان يقف: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا﴾، ثم يبتدئ: ﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾، وكان يقف: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا﴾، ثم يبتدئ: ﴿لَا يَسْتَوُونَ﴾، وكان يقف: ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (٢٢) فحشر﴾، ثم يبتدئ: ﴿فَنَادَى (٢٣) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤)﴾، وكان يقف: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾، ثم يبتدئ: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ﴾، فكان - ﷺ - يتعمد الوقف على تلك الوقوف، وغالبها ليس رأس آية، وما ذلك إلَّا لعلم لدنيٍّ عَلِمَه مَنْ عَلِمَه، وجهله من جهله، فاتباعه سُنَّة في جميع أقواله وأفعاله.
الفائدة الثانية في الوقف والابتداء: وهو لغةً: الكف عن الفعل والقول، واصطلاحًا: قطع الصوت آخر الكلمة زمنًا ما، أو هو قطع الكلمة عما بعدها، والوقف والقطع والسكت بمعنى، وقيل: القطع عبارة عن قطع القراءة رأسًا، والسكت عبارة عن قطع الصوت زمنًا ما دون زمن الوقف عادة من غير تنفس، والناس في اصطلاح مراتبه مختلفون كل واحد له اصطلاح، وذلك شائع؛ لما اشتهر أنه لا مشاحة في الاصطلاح، بل يسوغ لكل أحد أن يصطلح على ما شاء كما صرح بذلك صدر الشريعة وناهيك به، فقال ابن الأنباري (٢)، والسخاوي: مراتبه ثلاثة: تام، وحسن، وقبيح. وقال غيرهما: أربعة: تام مختار، وكاف جائز، وحسن مفهوم، وقبيح متروك، وقال السجاوندي: خمسة: لازم، ومطلق، وجائز، ومجوز لوجه، ومرخص ضرورة، وقال غيره: ثمانية: تام، وشبيه، وناقص، وشبيه،
(٢) ابن الأنباري (٢٧١ - ٣٢٨ هـ = ٨٨٤ - ٩٤٠ م) محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، أبو بكر الأنباري: من أعلم أهل زمانه بالأدب واللغة، ومن أكثر الناس حفظًا للشعر والأخبار، قيل: كان يحفظ ثلاثمائة ألف شاهد في القرآن، ولد في الأنبار (على الفرات)، وتوفي ببغداد، وكان يتردد إلى أولاد الخليفة الراضي بالله يعلمهم، من كتبه: الزاهر -في اللغة، وشرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، وإيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عزوجل، والهاءات، وعجائب علوم القرآن، وشرح الألفات، وخلق الإنسان، والأمثال، والأضداد، وأجل كتبه: غريب الحديث، قيل: إنه ٤٥٠٠٠ ورقة. وله: الأمالي. انظر: الأعلام للزركلي (٦/ ٣٣٤).