وحسن، وشبيه، وقبيح، وشبيه. وجميع ما ذكروه من مراتبه غير منضبط ولا منحصر؛ لاختلاف المفسرين والمعربين؛ لأنه سيأتي أن الوقف يكون تامًّا على تفسير وإعراب وقراءة، غير تام على آخر؛ إذ الوقف تابع للمعنى، واختلفوا فيه أيضًا فمنهم من يطلق الوقف على مقاطع الأنفاس؛ على القول بجواز إطلاق السجع في القرآن ونفيه منه أجدر؛ لقوله - ﷺ -: «أسجع كسجع الكهان؟» (١) فجعله مذمومًا، ولو كان فيه تحسين الكلام دون تصحيح المعنى، وفرق بين أن يكون الكلام منتظمًا في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود منه، وبين أن يكون منتظمًا دون اللفظ؛ لأن في القرآن اللفظ تابع للمعنى، وفي السجع المعنى تابع للفظ، ومنهم من يطلقه على رءوس الآي، وأن كل موضع منها يسمى وقفًا وإن لم يقف القارئ عليه؛ لأنه ينفصل عنده الكلامان، والأعدل أن يكون في أواسط الآي، وإن كان الأغلب في أواخرها كما في آيتي المواريث؛ ففيهما ثلاثة عشر وقفًا، فـ ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ﴾، وما عطف عليه فيه تعلق معنوي؛ لأن عطف الجمل -وإن كان في اللفظ منفصلًا- فهو في المعنى متصل؛ فآخر الآية الأولى: ﴿عَلِيمًا حَكِيمًا﴾، وآخر الثانية: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ كما سيأتي مفصَّلًا في محله إن شاء الله تعالى.
وليس آخر كل آية وقفًا، بل المعتبر المعاني، والوقف تابع لها؛ فكثيرًا ما تكون آية تامة وهي متعلقة بآية أخرى ككونها استثناء، والأخرى مستثنى منها، أو حالًا مما قبلها، أو صفة، أو بدلًا كما يأتي التنبيه عليه في محله، وإذا تقاربت الوقوف بعضها من بعض لا يوقف عند كل واحد إن ساعده النَّفَس، وإن لم يساعده وقف عند أحسنها؛ لأن ضيق النفس عن بلوغ التمام يسوغ الوقف، ولا يلزم الوقف على رءوس الآي كذا جعل شيخ الإسلام طول الكلام مسوغًا للوقف، قال الكواشي (٢): وليس هذا العذر بشيء، بل يقف عند ضيق النفس، ثم يبتدئ من أول الكلام حتى ينتهي الوقف المنصوص عليه، كما سيأتي في سورة الرعد؛ ليكون الكلام متصلًا بعضه ببعض، وهذا هو الأحسن ولو كان في وسع القارئ أن يقرأ القرآن كله في نَفَس واحد ساغ له ذلك.
(٢) أحمد بن يوسف بن الحسن بن رافع ابن الحسين بن سويدان الشيباني الموصلي، موفق الدين أبو العباس الكواشي: عالم بالتفسير، من فقهاء الشافعية، من أهل الموصل، كان يزوره الملك ومن دونه فلا يقوم لهم ولا يعبأ بهم، من كتبه: تبصرة المتذكر -في تفسير القرآن، وكشف الحقائق -ويُعرف بتفسير الكواشي (ت٦٨٠هـ). انظر: الأعلام للزركلي (١/ ٢٧٤).