مطلب تنوع الوقف
ويتنوع الوقف نظرًا للتعلق خمسة أقسام؛ لأنه لا يخلو إما أن لا يتصل ما بعد الوقف بما قبله لا لفظًا ولا معنى -فهو التام. أو يتصل ما بعده بما قبله لفظًا ومعنى -وهو القبيح. أو يتصل ما بعده بما قبله معنى لا لفظًا -وهو الكافي. أو لا يتصل ما بعده بما قبله معنى ويتصل لفظًا -وهو الحسن. والخامس متردد بين هذه الأقسام فتارة يتصل بالأول، وتارة بالثاني على حسب اختلافهما قراءة وإعرابًا وتفسيرًا؛ لأنه قد يكون الوقف تامًّا على تفسير وإعراب وقراءة، غير تام على غير ذلك، وأمثلة ذلك تأتي مفصلة في محلها.
مطلب مراتب الوقف
وأشرت إلى مراتبه بتام وأتم، وكافٍ وأكفى، وحسن وأحسن، وصالح وأصلح، وقبيح وأقبح، فالكافي والحسن يتقاربان، والتام فوقهما، والصالح دونهما في الرتبة؛ فأعلاها الأتم، ثم الأكفى، ثم الأحسن، ثم الأصلح ويعبر عنه بالجائز.
وأما وقف البيان وهو أن يبين معنى لا يفهم بدونه كالوقف على قوله تعالى: ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ فرق بين الضميرين، فالضمير في: ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ للنبي - ﷺ - وفي ﴿وَتُسَبِّحُوهُ﴾ لله تعالى، والوقف أظهر هذا المعنى المراد، والتام على قوله: ﴿وَأَصِيلًا﴾، وكالوقف على قوله: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ﴾، ثم يبتدئ: ﴿الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ بين الوقف على: ﴿عَلَيْكُمْ﴾ أن الظرف بعده متعلق بمحذوف وليس متعلقًا باسم لا؛ لأن اسمها حينئذ شبيه بالمضاف، فيجب نصبه وتنوينه. قاله في (الإتقان).
فالتام سُمِّي تامًّا؛ لتمام لفظه بعد تعلقه وهو ما يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده ولا يتعلق ما بعده بشيء مما قبله لا لفظًا ولا معنى، وأكثر ما يوجد عند رءوس الآي غالبًا، وقد يوجد قرب آخرها كقوله: ﴿وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾ هنا التمام؛ لأنه آخر كلام بلقيس، ثم قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ وهو أتم، ورأس آية أيضًا، ولا يشترط في التام أن يكون آخر قصة كقوله: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾ فهو تام؛ لأنه مبتدأ وخبر وإن كانت الآيات إلى آخر السورة قصة واحدة، ونحوه: ﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾ هنا التام؛ لأنه آخر كلام الظالم أُبَيِّ بن خلف، ثم قال تعالى: ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾ وهو أتم، ورأس آية أيضًا، وقد يوجد بعد رأس الآية كقوله: ﴿مُصْبِحِينَ (٦٦) وَبِاللَّيْلِ﴾ هنا التام؛ لأنه معطوف على المعنى، أي: تمرون عليهم بالصبح وبالليل، فالوقف عليه تام، وليس رأس آية وإنما رأسها: ﴿مُصْبِحِينَ﴾، و ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ أتم؛ لأنه آخر القصة، ومثله: ﴿يَتَّكِئُونَ (٣٤) وَزُخْرُفًا﴾ رأس الآية: ﴿يَتَّكِئُونَ﴾، ﴿وَزُخْرُفًا﴾ هو التمام؛ لأنه معطوف على: ﴿سَقْفًا﴾، ومن مقتضيات الوقف التام الابتداء بالاستفهام ملفوظًا به، أو مقدَّرًا. ومنها أن يكون آخر كل قصة وابتداء أخرى كل سورة، والابتداء بياء النداء غالبًا، أو الابتداء بفعل الأمر، أو الابتداء بلام القسم، أو الابتداء بالشرط؛