لأن الابتداء به ابتداء كلام مؤتنف، أو الفصل بين آية عذاب بآية رحمة، أو العدول عن الإخبار إلى الحكاية، أو الفصل بين الصفتين المتضادتين، أو تناهي الاستثناء، أو تناهي القول، أو الابتداء بالنفي، أو النهي، وقد يكون الوقف تامًّا على تفسير وإعراب وقراءة، غير تام على آخر نحو: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ تام إن كان ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾ مبتدأ خبره ﴿يَقُولُونَ﴾ على أن الراسخين لم يعلموا تأويل المتشابه. غير تام إن كان معطوفًا على الجلالة، وإن الراسخين يعلمون تأويل المتشابه كما سيأتي بأبسط من هذا في محله.
والكافي: ما يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده إلَّا أن له به تعلقًا ما من جهة المعنى؛ فهو منقطع لفظًا متصل معنى، وسمي كافيًا لاكتفائه واستغنائه عما بعده واستغناء ما بعده عنه بأن لا يكون مقيدًا له، وعود الضمير على ما قبل الوقف لا يمنع من الوقف؛ لأن جنس التام والكافي جميعه كذلك، والدليل عليه ما صح عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: قال لي رسول الله - ﷺ -: «اقرأ عليَّ»، فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ فقال: «إني أحب أن أسمعه من غيري» قال: فافتتحت سورة النساء فلما بلغت: ﴿شَهِيدًا﴾، فقال لي: «حسبك» (١)، ألا ترى أن الوقف على شهيدًا كاف وليس بتام؟ والتام: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾؛ لأنه آخر القصة وهو في الآية الثانية، وقد أمره النبي - ﷺ - أن يقف دون التام مع قربه فدل هذا دلالة واضحة على جواز الوقف على الكافي؛ لأنَّ قوله: يومئذ إلخ ليس قيدًا لما قبله، وفي الحديث نوع إشارة إلى أن ابن مسعود كان صيتًا.
قال عثمان النهدي (٢) صلى بنا ابن مسعود المغرب بـ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ فوددنا أنه لو قرأ سورة البقرة من حسن صوته وترتيله، وكان أبو موسى الأشعري كذلك. ورد أن رسول الله - ﷺ - سمع صوته وهو يقرأ القرآن، فقال: «لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود» (٣) كان داود - عليه السلام - إذا قرأ الزبور تدنو
(٢) أبو عثمان النهدي، الإمام، الحجة، شيخ الوقت، عبد الرحمن بن مل، وقيل: ابن ملي، ابن عمرو بن عدي البصري، مخضرم معمر، أدرك الجاهلية والإسلام، وغزا في خلافة عمر وبعدها غزوات، وحدّث عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وأُبي بن كعب، وبلال، وسعد ابن أبي وقاص، وسلمان الفارسي، وحذيفة ابن اليمان، وأبي موسى الأشعري، وأسامة بن زيد، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبي هريرة، وابن عباس، وطائفة سواهم، حدّث عنه قتادة، وعاصم الأحول، وحميد الطويل، وسليمان التيمي، وأيوب السختياني، وداود بن أبي هند، وخالد الحذاء، وعمران بن حدير. انظر: سير أعلام النبلاء (٤/ ١٧٥).
(٣) أخرجه الحُميدي برقم: (٢٨٢)، قال: حدثنا سُفيان، وأحمد (٦/ ٣٧)، قال: حدثنا سُفيان، وفي (٦/ ١٦٧) وقال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا مَعْمر، وعَبْد بن حُميد برقم: (١٤٧٦)، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مَعْمر، والدارِمِي برقم: (١٤٩٧)، قال: أخبرنا أبو نُعيم، قال: حدثنا ابن عُيَيْنَة، والنَّسائي (٢/ ١٨٠)، وفي الكبرى برقم: (١٠٠٢)، قال: أخبرنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار، عن سُفيان، وفي (٢/ ١٨١)، وفي الكبرى برقم: (١٠٠٣)، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا مَعْمر، وفي فضائل القران برقم: (٧٦)، قال: أخبرنا محمد بن رافع، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبانا مَعْمر.