وقال أبو بكر بن الأنباري: لا إثم عليه وإن عرف المعنى؛ لأن نيته الحكاية عمن قاله، وهو غير معتقد لمعناه، وكذا لو جهل معناه، ولا خلاف بين العلماء أن لا يحكم بكفره من غير تعمد واعتقاد لمعناه، وأما لو اعتقد معناه -فإنه يكفر مطلقًا وقف أم لا، والوصل والوقف في المعتقد سواء.
إذا علمت هذا عرفت بطلان قول من قال: لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقف على سبعة عشر موضعًا، فإن وقف عليها وابتدأ ما بعدها -فإنه يكفر ولم يفصِّل.
والمعتمد ما قاله العلامة النكزاوي (١): أنه لا كراهة إن جمع بين القول والمقول؛ لأنه تمام قول اليهود والنصارى، والواقف على ذلك كله غير معتقد لمعناه، وإنما هو حكاية قول قائلها حكاها الله عنهم، ووعيد ألحقه الله بالكفار، والمدار في ذلك على القصد وعدمه.
وما نسب لابن الجزري من تكفير مَن وقف على تلك الوقوف ولم يفصِّل -ففي ذلك نظر.
نعم إن صح عنه ذلك حُمِل على ما إذا وقف عليها معتقدًا معناها -فإنه يكفر سواء وقف أم لا، والقارئ والمستمع المعتقدان ذلك سواء، ولا يكفر المسلم إلَّا إذا جحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وما نُسب لابن الجزري من قوله:

مَغْلُولَةٌ فَلَا تَكُنْ بِوَاقِفِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ عِنْدَ الْوَاقِف
مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ ضَاقَ مِنْكَ النَّفَسُ فَإِنْ تَكُنْ تُصْغِي فَأَنْتَ الْقَبَسُ
وَلَا عَلَى إِنَّا نَصَارَى قَالُوا أَيْضًا حَرَامٌ فَاعْرِفَنْ مَا قَالُوا
وَلَا عَلَى الْمَسِيحِ ابْنِ اللهِ فَلَا تَقِفْ وَاسْتَعِذَنَّ بِالله
فَإِنَّهُ كُفْرٌ لِمَنْ قَدْ عَلِمَا قَدْ قَالَهُ الْجَزَرِيُّ نَصًّا حَسْبَمَا
وَقِسْ عَلَى الْأَحْكَامِ فِيمَا قَدْ بَقي فَإِنَّهُ الْحَقُّ فَعِي وَحَقِّق
وَلَا تَقُلْ يَجُزْ عَلَى الْحِكَايَةِ فَإِنَّهُ قَوْلٌ بِلَا دِرَايَة
(١) عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عمر النكزاوي المدني، الأنصاري، معين الدين، أبو محمد، مقرئ، نحوي، ولد بالإسكندرية، وقرأ بها القراءات، من مصنفاته: الكامل في القراءات، والاقتضاء في معرفة الوقف والابتداء، والشامل في القراءات السبع (ت٦٨٣ هـ). انظر: بغية الوعاة (ص: ٢٨٨، ٢٨٩)، لسان الميزان (٣/ ٣٥٢)، هدية العارفين (١/ ٤٦٢ ٧٢٩).


الصفحة التالية
Icon