أحدهما: لم يقاتلوا وإنما نزلوا بالبشرى لتطمئن به قلوبهم، وإلا فملك واحد يهلك جميع المشركين كما أهللك جبريل قوم لوط. الثاني: أن الملائكة قاتلت مع النبي ﷺ كما روى ابن مسعود أنه سأله أبو جهل: من أين كان يأتينا الضرب ولا نرى الشخص؟ قال: (مِن قِبَلِ الْمَلاَئِكَةِ) فقال: هم غلبونا لا أنتم. وقوله: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ لئلا يتوهم أن النصر من قبل الملائكة لا من قبل الله تعالى.
﴿إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار﴾ قوله تعالى: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسُ أَمَنَةً مِّنْهُ﴾ وذلك أن النبي ﷺ وكثيراً من أصحابه غشيهم النعاس ببدر. قال سهل بن عبد الله: النعاس يحل في الرأس مع حياة القلب، والنوم يحل في القلب بعد نزول من الرأس، فهوَّمَ رسول الله ﷺ حتى ناموا فبشر جبريل رسول الله ﷺ بالنصر فأخبر به أبا بكر. وفي امتنان الله تعالى عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان: أحدهما: قوّاهم بالاستراحة على القتال من الغد. الثاني: أن أمَّنَهم بزوال الرعب من قلوبهم، كما قال: الأمن منيم، والخوف مسهر.