قال الشافعى: «من تزوج امرأة فلم يدخل بها حتى ماتت أو طلقها فأبانها فلا بأس أن يتزوج ابنتها ولا يجوز له عقد نكاح أمها لأن الله عز وجل قال: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ «١».
الثانى: وهو قول على رضى الله عنهنّ وابن عباس وجابر وزيد بن ثابت وابن الزبير ومجاهد حيث قالوا: إن أم الزوجة لا تحرم إلا بالدخول بابنتها كما لا تحرم ابنتها إلا بالدخول «٢»، قال القرطبى (وأجمع العلماء على أن الرجل إذا تزوج المرأة ثم طلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها حل له نكاح بنتها) «٣».
وسبب الخلاف بين الفقهاء هو الوقف الوارد فى الآية حيث يرى الحنفية ومن وافقهم أن الكلام تم عند قوله: «أمهات نسائكم» فهى جملة مستقلة قائمة بذاتها تتعلق بما قبلها ولا تتعلق بما بعدها ثم استأنف بقوله: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ «٤».
وفى ذلك يقول القرطبى: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ هذا مستقل بنفسه، ولا يرجع قوله: مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ إلى الفريق الأول بل هو راجع إلى الربائب، إذ هو أقرب مذكور كما تقدم «٥».
ويزيد الكاسانى الأمر وضوحا بقوله: ولنا تعالى: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ كلام تام
(٢) القرطبى ٥/ ٧٠، المغنى ٩/ ٣٢٩، بدائع الصنائع ٣/ ٤١٤ وما بعدها، ابن العربى ١/ ٤٨٤. وذكر فى البدائع أن مالك قال: إن أم الزوجة لا تحرم على الزوج بنفس العقد ما لم يدخل ببنتها حتى أن من تزوج امرأة ثم طلقها قبل الدخول بها أو ماتت يجوز أن يتزوج أمها. بدائع الصنائع ٦/ ٤١٣.
قلت: عزو الكاسانى الرأى إلى مالك يبدو أنه غير دقيق لأننى لم أعثر عليه فيما قرأت من كتب المالكية وغيرها فقد تفرد به الكاسانى.
(٣) القرطبى ٥/ ٧٥.
واختلف الفقهاء فى معنى الدخول بالأمهات الذى يقع به تحريم الربائب، فروى عن ابن عباس أنه قال: الدخول الجماع وهو قول طاوس وعمر بن دينار وغيرهم واتفق مالك والثورى وأبو حنيفة
والأوزاعى والليث على أنه إذا مسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها وهو أحد قولى الشافعى.
واختلفوا كذلك فى النظر فقال مالك: إذا نظر إلى شعرها أو صدرها أو شىء من محاسنها للذة حرمت عليه أمها وابنتها.
وقال الكوفيون: إذا نظر إلى فرجها للشهوة كان بمنزلة اللمس للشهوة وقال الثورى: يحرم إذا نظر إلى فرجها متعمدا أو لمسها ولم يذكر الشهوة. وقال ابن أبى ليلى: لا يحرم بالنظر حتى يلمس وهو قول الشافعى. القرطبى ٥/ ٧٥، بدائع الصنائع ٣/ ٤١٢ وما بعدها.
(٤) روح المعانى ٢/ ٦٤، المغنى لابن قدامة ٩/ ٣٣٠، تفسير القرطبى ٥/ ٧٠، بدائع الصنائع ٣/ ٤١٤.
(٥) القرطبى ٥/ ٧٤.