ووجه القراءة أن قوله تعالى فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ. مرفوعين بالابتداء و (لا) غير عاملة. وأما (لا) فى قوله تعالى وَلا جِدالَ فهى عاملة وجدال اسمها وَلا جِدالَ بالفتح فى موضع رفع بالابتداء وقوله فِي الْحَجِّ خبر عن الجميع «١»، قال الزمخشرى (وقرأ أبو عمرو وابن كثير الأولين بالرفع والآخر بالنصب لأنهما حملا الأولين على معنى النهى كأنه قيل: فلا يكونن رفث ولا فسوق، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال كأنه قيل: ولا شك ولا خلاف فى الحج «٢».
وهذه القراءة الأخيرة هى المعنية بالوقف ويظهر ذلك جليا عند ما يقف القارئ على قوله فُسُوقَ بالضم والتنوين ثم يستأنف بقوله تعالى وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ بفتح جدال.
والذى يترتب على هذا الوقف أنه وسع المعنى الفقهى المفهوم من الآية ففي القراءات الأولى لم تؤثر فى المعنى المفهوم من الآية حيث أن هذه القراءات لم تغير معنى الرفث والفسوق والجدال الذى ذكرناه فى أول الكلام عن الآية.
أما قراءة الوقف على فُسُوقَ والبدء وَلا جِدالَ فإن معنى الآية يصير كما يلى:
يقول تعالى من قصد الحج فى هذه الأشهر فلا رفث ولا فسوق فيه ولا جدال فى وقت الحج الزمانى والمكانى.
وذلك أن قريشا كانت تخالف العرب فتقف بالمشعر الحرام وسائر العرب يقفون بعرفة وكانوا يقدمون الحج سنة ويؤخرونه سنة فرد إلى وقت واحد ورد الوقوف إلى عرفة فأخبر الله تعالى بأن الخلاف قد رفع فى الحج «٣».
وقد فهم العلماء هذه الزيادة المقصودة من قراءة الوقف فيقول مجاهد فى قوله تعالى وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ قال: قد أعلم الله تعالى أشهر الحج فليس فيها شك ولا خلاف «٤»، وقال الحسن: الجدال: الاختلاف فى الحج «٥».
ويقول الجصاص الحنفى (وحظر الجدال فى وقت الحج على ما كان عليه أمر الجاهلية لأنه قد استقر على وقت واحد وأبطل به النسيء الذى كان أهل الجاهلية عليه وهو معنى
(٢) الكشاف ١/ ٢٤٣ - ٢٤٤.
(٣) أحكام ابن العربى ١/ ١٩١، الكشاف ١/ ٢٤٣.
(٤) أحكام الجصاص ١/ ٤٢١، الكشاف ١/ ٢٤٤.
(٥) تفسير الحسن البصرى ١/ ١٤٢، د. محمد عبد الرحيم.