فهذه القراءات وردت فى هذه الآية وجميعها لم تتحدث عن الوقف غير أن الجصاص الحنفى وكعادة الحنفية كما تبين لنا فى الآيات السابقة أنهم يلجئون إلى الاستدلال بالوقف لترجيح مذهبهم حيث قال الوقف على قوله تعالى: مِثْلُ ما قَتَلَ والاستئناف بقوله:
مِنَ النَّعَمِ.
فى ذلك يقول الجصاص: كما أن قوله: فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ كلام مكتف بنفسه غير مفتقر إلى تضمينه بغيره، وقوله: مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ يمكن استعماله على غير وجه التفسير لأن قوله مِنَ النَّعَمِ معلوم أن فيه ضمير أراده المحرم، فمعناه: (من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا إن أراد الهدى، والطعام إن أراد الطعام، فليس هو إذا تفسيرا للمثل كما أن الطعام والصيام ليسا تفسيرا للمثل المذكور) «١».
إذا قراءة الوقف هنا أيدها المذهب الحنفى القائل بأن الجزاء لا يقتضى المماثلة بل إن الجصاص أيد قوله هذا بدليل لغوى؛ المتمثل فى حرف (أو) الذى هو للتخيير فجزاء مثل ما قتل طعاما أو صياما أو من النعم هديا.
ويقول أبو حنيفة: «المثل هو القيمة ويشترى بالقيمة هديا إن شاء وإن شاء اشترى طعاما أو أعطى كل مسكين صاع» «٢».
واحتج الحنفية بما يلى:
١ - لو كان الشبه فى طريق الخلقة معتبرا فى النعامة بدنة، وفى الحمار بقرة، وفى الظبى شاة لما أوقفه على عدلين يحكمان به لأن ذلك قد علم فلا يحتاج إلى الارتياء والنظر وإنما يفتقر إلى العدول والنظر ما تشكل الحال فيه ويضطرب وجه النظر عليه «٣».
٢ - أنه قد ثبت أن المثل اسم للقيمة فى الشرع ولم يثبت أنه اسم للنظير من النعم فوجب حمله على ما قد ثبت اسما له ولم يجز؟
٣ - ما دمنا قد اتفقنا على أن القيمة مرادة لهذا المثل فيما لا نظير له من النعم فوجب ان تكون هى المرادة من وجهين:
(٢) الجصاص ٢/ ٦٦١.
(٣) القرطبى ٦/ ٢٠٠.