٤ - وقد قيل: القرآن كله محكم لقوله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ [هود: ١]. وقيل كل متشابه. لقوله تعالى: كِتاباً مُتَشابِهاً [الزمر: ٢٣].
وقد رد القرطبى هذين القولين بقوله (وليس هذا من معنى الآية فى شىء. فإن قوله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ أى فى النظم والوصف وأنه حق من عند الله. ومعنى كِتاباً مُتَشابِهاً أى يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا. وليس المراد بقوله آياتٌ مُحْكَماتٌ، وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ هذا المعنى وإنما التشابه فى هذه الآية من باب الاحتمال والاشتباه من قوله: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا [البقرة: ٧٠]. أى التبس علينا أن يحتمل أنواعا كثيرة غير البقر، والمراد بالمحكم ما فى مقابلة هذا وهو ما لا التباس فيه ولا يحتمل إلا وجها واحدا «١»).
وقد اختلف العلماء فى استنباط حكم الخوض فى تفسير المتشابه من الآيات إلى فريقين وسبب الخلاف يرجع إلى الوقف الوارد فى الآية فقد روى ابن عباس أن النبى ﷺ وقف على قوله إِلَّا اللَّهُ ثم استأنف وَالرَّاسِخُونَ. وعلى هذا الوقف قوله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ابتداء كلام مقطوع عما قبله وهذا قول ابن عمر وابن عباس وعائشة وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وغيرهم وهو مذهب الكسائى والأخفش والفراء وأبى عبيد وغيرهم «٢».
لذلك يقول الجصاص: فمن قال بالقول الأول- يعنى الوصل- جعل الراسخين فى العلم عالمين ببعض المتشابه وغير عالمين بجميعه «٣».
[الفريق الأول]
قال ابن نهيك الأسدي: إنكم تصلون هذه الآية وإنها مقطوعة. وما انتهى علم الراسخين إلا إلى قوله آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وبه قال عمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس «٤» وهذا هو الفريق الأول.
وقد رجح أبو حيان هذا الرأى حيث ذكر إن الدليل إذا دل على غير الظاهر علم أن المراد بعض المجازات وليس الترجيح لبعض إلا بالأدلة وقد رجح هذا الرأى أيضا بعض
العلماء بأن الظن لا يكفى فى القطعيات ولأن ما قبل الآية يدل على ذم طلب المشابهة، ولو كان جائزا لما ذم بأن طلب وقت الساعة تخصيص بعض المتشابهات وهو ترك للظاهر، ولا

(١) القرطبى ٤/ ١٠، الجصاص ٢/ ٦.
(٢) فتح البارى ٨/ ٥٨، القرطبى ٤/ ١٢، البحر المحيط ٢/ ٣٨٤، المكتفى ص ١٩٥.
(٣) الجصاص ٢/ ٦.
(٤) القرطبى ٤/ ١٢، فتح القدير للشوكانى ١/ ٤٧٦.


الصفحة التالية
Icon