يجوز أيضا لأنه مدح الراسخين فى العلم بأنهم قالوا آمنا به، ولو كانوا عالمين بتأويل المتشابه على التفصيل لما كان فى الإيمان به مدح لأن من علم شيئا على التفصيل لا بدّ أن يؤمن به، وإنما الراسخون يعلمون بالدليل العقلى أن المراد غير الظاهر ويفوضون تعيين المراد إلى علمه تعالى، وقطعوا أنه الحق ولم يحملهم عدم التعيين على ترك الإيمان «١».
وقد بين ابن قدامة أن فى الآية إشارات تدل على أن الواو استئنافية لا عاطفة فقال فى روضة الناظر: فى الآية قرائن تدل على أن الله سبحانه منفرد بعلم تأويل المتشابه وأن الوقف الصحيح عند قوله تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ لفظا ومعنى. أما اللفظ فلأنه لو أراد عطف الراسخين لقال: يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ بالواو، وأما المعنى فلأنه ذم مبتغى التأويل ولو كان ذلك للراسخين معلوما لكان مبتغيه ممدوحا لا مذموما.
ولأن قوله: آمَنَّا بِهِ يدل على نوع تفويض وتسليم لشىء لم يقفوا على معناه لا سيما إذا اتبعوه بقوله: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا فذكرهم ربهم هاهنا يعطى الثقة به والتسليم لأمره وأنه صدر منه وجاء من عنده كما جاء من عنده المحكم.
ولأن لفظة (أما) لتفصيل الجمل، فذكره لها فى الذين فى قلوبهم زيغ مع وصف إياهم بابتغاء المتشابه وابتغاء تأويله يدل على قسم آخر يخالفهم فى هذه الصفة وهم:
وَالرَّاسِخُونَ ولو كانوا يعلمون تأويله لم يخالفوا القسم الأول فى ابتغاء التأويل «٢».
ويؤيد هذا الرأى القائل بوجوب الوقف والبدء بقوله وَالرَّاسِخُونَ التحذير الوارد فى الحديث بعد ما تلا رسول الله هذه الآية فقال: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم «٣».
وبناء على هذا الوقف يكون وَالرَّاسِخُونَ مبتدأ (يقولون) خبرها.
الفريق الثانى:
أما الذى وصل الآية بعضها ببعض هو قول مجاهد ورواية ثانية عن ابن عباس «٤» واحتج

(١) البحر المحيط ٢/ ٣٨٤، والفخر الرازى ١/ ٥٢.
(٢) روضة الناظر ص ٦٥.
(٣) خ (٨/ ٥٧) (٦٥) كتاب التفسير (١) باب منه آيات محكمات، رواه الطبرى بسنده ٣/ ٢٦٥.
(٤) البحر المحيط ٢/ ٣٨٤، فتح البارى ٨/ ٥٨ القرطبى ٤/ ١٢ - ١٣.


الصفحة التالية
Icon