لهم بعض أهل اللغة فقال: معناه والراسخون فى العلم يعلمونه قائلين آمنا، وزعم أن موضع (يقولون) نصب على الحال وعامة أهل اللغة ينكرونه ويستبعدونه لأن العرب لا تضمر الفعل والمفعول معا ولا تذكر حالا إلا مع ظهور الفعل فإذا لم يظهر فعل فلا يكون حال، ولو جاز ذلك لجاز أن يقال: عبد الله راكبا، بمعنى أقبل عبد الله راكبا، وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل كقوله عبد الله يتكلم يصلح بين الناس فكان «يصلح: حالا له «١»، وقد رجح هذا الرأى الزمخشرى حيث يقول فى قوله تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ أى لا يهتدى إلى تأويله الحق الذى يجب أن يحمل عليه إلا الله وعباده الذين رسخوا فى العلم أى ثبتوا فيه وتمكنوا وعضوا فيه بضرس قاطع، ومنهم من يقف على قوله إِلَّا اللَّهُ ويبتدئ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ويفسرون المتشابه بما استأثر الله بعلمه وبمعرفة الحكمة فيه من آيات كعدد الزبانية ونحوه والأول هو الوجه «٢».
وقد أيده الجصاص الحنفى فى أن قوله: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ غير مناف لوقوع العلم ببعض المتشابه فمما لا يجوز وقوع علم لنا به وقت الساعة «٣».
بل يؤكد الجصاص جواز اشتراك العلماء فى معرفة بعض المتشابه فيقول: ومن الناس من يظن أنه لا يجوز إلا أن يكون منتهى الكلام وتمامه عن قوله تعالى إِلَّا اللَّهُ وأن (الواو) للاستقبال دون الجمع لأنها لو كانت للجمع لقال: ويقولون آمنا به ويستأنف ذكر الواو لاستئناف الخبر، وقال من ذهب إلى القول الأول: هذا سائغ فى اللغة وقد وجد مثله فى القرآن وهو قوله تعالى فى بيان قسم الفيء: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ [الحشر: ٧] إلى قوله: شَدِيدُ الْعِقابِ ثم تلا بالتفصيل وتسمية من يستحق هذا الفيء فقال: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ.
ومن جهة أخرى أن (الواو) لما كانت حقيقتها الجمع فالواجب حملها على حقيقتها ومقتضاها ولا يجوز حملها على الابتداء إلا بدلالة ولا دلالة معنا توجب صرفها عن
الحقيقة. فوجب استعمالها على الجمع «٤».
وأجيب على هذا الرأى أيضا بأنه لا يجوز أن ينفى الله سبحانه شيئا عن الخلق وثبته
(٢) الكشاف ١/ ٣٣٨.
(٣) الجصاص ٢/ ٨.
(٤) أحكام الجصاص ٢/ ٩.