لنفسه. ثم يكون له فى ذلك شريك ألا ترى قوله عز وجل: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل: ٦٥]. وقوله: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ [الأعراف: ١٨٧].
ولو كانت الواو فى قوله وَالرَّاسِخُونَ للنسق لم يكن قوله كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا فائدة «١».
كما أن هناك قراءة لابن عباس أنه كان يقرأ: [وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون فى العلم آمنا به] «٢».
فهذه القراءة تدل على أن الواو للاستئناف وليست للنسق كما ذهب مجاهد، ولعل هذه القراءة تضعيف نسبه قول ابن عباس الثانى بجواز معرفة المتشابه إليه.
ويقول ابن حجر معلقا على هذه القراءة: وإن لم تثبت بها القراءة لكن أقل درجاتها أن تكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن فيقدم كلامه فى ذلك على من دونه ويؤيد ذلك أن الآية دلت على ذم متبعى التشابه لوصفهم بالزيغ وابتغاء الفتنة وحكى الفراء أن فى قراءة أبى بن كعب مثل ذلك «٣».
وتزيد قراءة ابن مسعود الشاذة وجوب الوقف على قوله إِلَّا اللَّهُ لأنها مفسرة للمعنى حيث قرأ: إن تأويله إلا عند الله والراسخون فى العلم يقولون «٤».
تعقيب:
بعد هذا العرض يتبين لنا صحة قول الجمهور بوجوب الوقف على قوله إِلَّا اللَّهُ والاستئناف بقوله وَالرَّاسِخُونَ والواو هنا ليست للعطف ومما يؤيد أن الواو للاستئناف لا العطف: أن المولى تبارك وتعالى إذا نفى عن الخلق شىء وأثبته لنفسه فلا يثبت له فى هذا الإثبات شريك كقوله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: ٦٥]. وقوله: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ [الأعراف: ١٨٧].
وقوله: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ فتمشيا مع هذا النسق القرآنى أن يكون: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ معناه: أنه لا يعمله إلا هو وحده. فهنا نرى أن الوقف أثر فى عدم خوض العلماء فى كل المتشابه من القرآن لأن الله اختص به لنفسه وإلا لما كان هناك فائدة من

(١) القرطبى ٤/ ١٣.
(٢) البحر المحيط ٢/ ٣٨٤، فتح البارى ٨/ ٥٨.
(٣) فتح البارى ٨/ ٥٨.
(٤) البحر المحيط ٢/ ٣٨٤، المكتفى ص ١٩٥.


الصفحة التالية
Icon