الرد عليهم:
أما قولهم بأن الكلام متصل لا وقف فيه فهذا غير مسلم به لأنه يجوز الوقف على قوله (عليه) والبدء بقوله (وإنه لفسق) والمعنى على ذلك يكون بالنهى عن الأكل مطلقا عن متروك التسمية.
وأما تخصيصهم للآية بأنه للمذبوح وذكر اسم غير الله فهو تخصيص بغير مخصص فلو قالوا بأنه مخصص بحديث (ذبيحة المسلم) قلنا بأن الحديث مرسل وليس فى المرسل ما يصلح لتخصيص الآية.
وأما استدلالهم بقوله (وإنه لفسق) أن الترك لا يكون فسقا، بل الفسق الذبح لغير الله فإن ظاهر قوله (وإنه لفسق) عائد على الجميع من المسلمين وغيرهم وقيام الدلالة على خصوص بعضهم غير مانع بقاء حكم الآية فى إيجاب التسمية على المسلم فى الذبيحة «١».
أما ذكرهم لسبب نزول الآية وأنه خاص بذبائح المشركين فإن اللفظ الوارد على السبب لا نخرج السبب عنه بل نقره فيه ونعطف به عليه ولا يمتنع أن يضاف غيره إليه إذا احتمله اللفظ أو قام عليه الدليل فقوله وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ظاهر فى تناول الميتة بعموم اللفظ وكونها سببا لوروده ويدخل فيه ما ذكر اسم الله عليه اسم غير الله من الآلهة المبطلة «٢».
وفى ذلك يقول الجصاص: نزول الآية على سبب لا يوجب الاقتصار بحكمها عليه بل الحكم للعموم إذا كان أعم من السبب فلو كان المراد ذبائح المشركين لذكرها ولم يقتصر على ذكر ترك التسمية، وقد علمنا أن المشكرين وإن سموا على ذبائحهم لم تؤكل مثل ذلك على أنه لم يرد ذبائح المشركين إذا كانت ذبائحهم غير مأكولة سموا الله عليها أو لم يسموا، وقد نص الله تعالى على تحريم ذبائح المشركين فى غير هذه الآية وهو قوله تعالى: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ «٣».
أدلة القائلين بالمنع: وهم الحنفية ومن وافقهم:
فقد استدلوا على أن متروك التسمية عامدا لا يؤكل لحمه بأدلة من الكتاب والسنة.
(٢) ابن العربى ٢/ ٢٧٠، الجصاص ٣/ ١١.
(٣) الجصاص ٣/ ١١.