أرض الحبشة، وكسفر الأعشى «١» إلى الحيرة، وصحبته لنصاراها مع كونه حجّة في اللّغة، فعلقت (هوت وأحبت) العرب بهذا كله ألفاظا أعجمية، غيّرت بعضها بالنقص من حروفها، وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة، واستعملتها فى أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربى الصريح، ووقع بها البيان، وعلى هذا الحد نزل بها القرآن فإن جهلها عربى ما فكجهله الصريح بما في لغة غيره، كما لم يعرف ابن عباس معنى «فاطر» إلى غير ذلك، فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها فى الأصل أعجمية، لكن استعملتها العرب وعرّبتها فهى عربية بهذا الوجه».
ثم رد على الطبرى فقال: «وما ذهب إليه الطبرى من أن اللّغتين اتفقتا فى لفظة فذلك بعيد، بل إحداهما أصل، والأخرى فرع فى الأكثر، لأنّا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذا» «٢».
وحكى ابن فارس عن أبى عبيد القاسم بن سلام أنه حكى الخلاف فى ذلك، ونسب القول بوقوعه إلى الفقهاء، والمنع إلى أهل العربية، ثم قال أبو عبيدة:
«والصواب عندى مذهب فيه تصديق القولين جميعا، وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء، إلا أنها سقطت إلى العرب فعرّبتها بألسنتها، وحوّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها، فصارت عربية، ثم نزل القرآن، وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال إنها عربية فهو صادق، ومن قال أعجمية فصادق».. قال: «و
إنما فسر هذا لئلا يقدم أحد على
(٢) المحرر الوجيز ١/ ٣٦ - ٣٧ (٢ - نزول القرآن)