عزَّ وجلَّ أن الذي أنَشَأهمْ وأنشأ العِظَامَ وخلق هذه الأشيَاءَ لَا مِنْ شَيءٍ قادرٌ
على أن يخلقَ مِثلَهَا، - وهُويُحيِيهِمْ بَعدَ مَوتهِم، فقال عزَّ وجلَّ:
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢)
أي جعل لحياتكم أجلاً أي وَقْتاً تَحيون فيه.
(وأجَلٌ مُسَمًى عنْدَه) يعني أمرَ الساعة والبعث، (ثُمَّ أنتم) بعد هذا البيان. (تَمتَرَوُنَ) أي تَشكونَ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (٣)
" في " موصولة في المعنى بما يدل عليه اسم اللَّه، المعنى هو الخالق
العالم بما يصلحُ به أمرُ السماءِ والأرضِ، المعنى هوَ المتفرد بالتدبِير في
السَّمَاوَات والأرض، ولو قلت هو زيد في البيت والدار لم يجز إِلا أن يكون في الكلام دليلٌ على أن زَيداً يدبر أمر البيت والدار، فيكون المعنى هو المدَبِّر في الدارِ والبيتِ، ولو قلتَ هو المعتَضِد الخليفة في الشرق والغَربِ، أو قلت هو المعتَضِدُ في الشرق والغَربِ جَازَ على هذا.
ويجوز أن يكون خَبَراً بعد خبرٍ كأنه قيل إِنه هو اللَّه، وهو في السَّمَاوَات وفي الأرض، ومثل هذا القول الأول -
(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ)
ويجوز أن يكون وهو الله في السَّمَاوَات وفي الأرض، أي هو المعبود فيهما، وهذا نحو القول الأَول.
قوله عزَّ وجلَّ: (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (٥)
دَل بهذا أنهم كانوا يستهزئُون، وقد ذَكر استهزاؤهم في غير هذا
المكان، ومعنى إِتيانه أي تَأوِيله: المعنى سيعلَمُونَ ما يؤول إِليه استهزاؤُهم.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (٦) وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)