أي عَبْدَهَا وغلامَها، لأن استعمالَهم كان للغلام المملوك أن يُسمَّى
فتى.
(قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا) (١).
أي بلغ حُبُّه إلى شِغَافَ قَلْبها، وفي الشغاف ثلاثة أقوال:
قال بعضهم الشغَاف غلاف القلب.
وقيل: هو داء يكون في الجوف في الشراسيف.
وأنشدوا:
وقد حال هَمُّ دون ذلك دَاخِلُ... دخولَ الشغَافِ تبتَغِيه الأصَابعُ
وقد قُرِئَتْ شَعَفَها بالعين، ومعنى شعَفها ذهب بها كل مذهب مشتق من
شَعَفَاتِ الجبال، أي رُؤوس الجبال، فإذا قلت فلان مشعُوف بكذا، فمعناه أنه قد ذهب به الحبِّ أقصى المذاهب.
* * *
(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)
إن قال قائل: لم سُمِّيَ قولُهنَّ مكراً؟
فالجواب فيه أنها قد أطلعتهن، فاسْتَكْتَمَتْهُنَّ فمكرنَ بها وأَفْشَيْنَ سِرها، فلما سمعت بما فَعَلْنَ أرادت أَنْ يُوقَعْني فيما وقعت فبه فأرسلت إليهن.
(أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً).
(اعْتَدَتْ) أفعلت من العَتَادِ، وكل ما اتخَذْتَه عُدةً للشيء فهو عَتَادَ ومعنى
(مُتَّكَأً) ما يُتكأ عليه لطعام أو شَرَاب أو حديث.

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿قَدْ شَغَفَهَا﴾ هذه الجملةُ يجوز أن [تكون] خبراً ثانياً، وأن تكونَ مستأنفة، وأن تكونَ حالاً: إمَّا من فاعل «تُراوِدُ» وإمَّا مِنْ مفعوله. و «حبَّاً» تمييزٌ، وهو منقولٌ من الفاعلية، والأصل: قد شَغَفها حبُّه. والعامَّة على «شَغَفها» بالغين المعجمة مفتوحةً بمعنى خَرَقَ شِغاف قلبها، وهو مأخوذ من الشَّغاف والشَّغاف: حجاب القلب جُليْدَة رقيقة. وقيل: سويداء القلب. وقيل: داءٌ يَصل إلى القلب من أجل الحب وقيل: جُلَيْدَةٌ رقيقة يقال لها لسان القلب ليسَتْ محيطةً به، ومعنى شَغَفَ قلبَه، أي: خرق حجابَه أو أصابه فأحرقه بحرارة الحبِّ، وهو مِنْ شَغَفَ البعيرَ بالهِناء إذا طَلاَه بالقَطِران فأحرقه. والمَشْغوف: مَنْ وصل الحبُّ لقلبه، قال الأعشى:
٢٧٦٨ تَعْصِي الوُشاةَ وكان الحُبُّ آوِنَةً... مِمَّا يُزَيِّنُ للمَشْغوف ما صنعا
وقال النابغة الذبياني:
٢٧٦٩ وقد حالَ هَمٌّ دونَ ذلك والِجٌ... مكانَ الشَّغافِ تَبْتَغيه الأصابعُ
وقرأ ثابت البناني بكسر الغين. قيل: وهي لغة تميم.
وقرأ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين وابنه محمد وابنه جعفر والشعبي وقتادة بفتح العين المهملة، وروي عن ثابت البناني وأبي رجاء كَسْرُ المهملة أيضاً. واختلف الناس في ذلك فقيل: هو مِنْ شَعَفَ البعيرَ إذا هَنَأَ فأحرقه بالقَطِران، قاله الزمخشري، وأنشد:
٢٧٧٠........................... كما شَعَفَ المَهْنُؤْءَةَ الرجلُ الطالي
والناسُ إنما يَرْوونه بالمعجمة ويُفَسِّرونه بأنه أصاب حبي شَغَافَ قلبها أي أحرق حجابَه، وهي جُلَيْدَة رقيقة دونه، «كما شَغَفَ»، أي: كما أَحْرق وبالغ المهنوءة، أي: المَطْلِيَّة بالهِناء وهو القَطِران، ولا ينشدونه بالمهملة.
وقال أبو البقاء لمَّا حكى هذه القراءة: «مِنْ قولك: فلان مَشْعوفٌ بكذا، أي: مغرى به، وعلى هذه الأقوال فمعناها متقارب. وفرَّق بعضُهم بينهما فقال ابن زيد:» الشَّغَف يعني بالمعجمة في الحب، والشَّعَفُ في البغض «. وقال الشعبي:» الشَّغَف والمَشْغوف بالغين منقوطةً في الحُبِّ، والشَّعَفُ الجنون، والمَشْعوف: المجنون «.
اهـ (الدر المصون).


الصفحة التالية
Icon